د. خالد الشقران يكتب : القضية الفلسطينية بين الحتميات السياسية وتحديات التنفيذ

في كلمته خلال القمة العربية الطارئة بالقاهرة التي جاءت في سياقٍ بالغ التعقيد، مع استمرار الحرب على غزة، وتصاعد الاستيطان بالضفة الغربية، وتراجع الاهتمام الدولي بحل الدولتين، قدّم الملك عبد الله الثاني رؤيةً متكاملةً للتعامل مع الأزمة الفلسطينية، مستنداً إلى ثوابت الأردن التاريخية ومواقفه السياسية، ومحاولاً تجسيد دور فاعل للدول العربية في مواجهة التصعيد الإسرائيلي المتواصل.
ركّز جلالته على رفض الأردن المطلق لمحاولات التهجير القسري للفلسطينيين أو ضم أراضيهم، واصفاً هذه الممارسات بانتهاكٍ صارخ للقانون الدولي. هذا الموقف ليس مجرد شعار، وليس دفاعاً عن حقوق الفلسطينيين فحسب بل حمايةً للمصالح الأردنية، كما يحمل أبعاداً أمنية للأردن، الذي يستضيف ملايين اللاجئين الفلسطينيين منذ عقود، وان أي تهجير جديد سيزيد من الأعباء الديموغرافية والاقتصادية، ويعيد إنتاج أزمات اجتماعية، التصريح يأتي رفضاً لمشاريع إسرائيلية تُروج لها أطراف متطرفة لـ«نقل سكان غزة»، أو توسيع الاستيطان بالضفة، ما يُهدد بانهيار أي أمل في حلٍّ جغرافي قابل للتطبيق.
أكّد الملك ضرورة «استدامة وقف إطلاق النار» في غزة، ورفض منع المساعدات الإنسانية، في إشارةٍ إلى سياسة التجويع الإسرائيلية التي تُفاقم الكارثة الإنسانية. هذا الطرح يلامس إشكاليةً دوليةً تتعلق بضعف آليات إنفاذ القانون الدولي الإنساني، حيث تُستخدم المعاناة الإنسانية كورقة ضغط سياسية. كما شدّد على استمرار الأردن في إرسال المساعدات براً وجواً، ما يعكس إدراكاً بأن الجهود العربية الفردية، رغم محدوديتها، ضرورية لسدّ الفراغ الناتج عن تقاعس المجتمع الدولي.
دعا الملك إلى دعم إصلاح السلطة الفلسطينية وربط غزة إدارياً بالضفة الغربية، وهو طرحٌ يلامس جذر الإشكالية الفلسطينية «الانقسام الداخلي»، فغياب الوحدة الفلسطينية يُضعف الموقف التفاوضي، ويُسهّل الاستهداف الإسرائيلي. لكن تحقيق هذه الوحدة يتطلب ضغوطاً على فصائل مثل حماس وفتح، وضمانات دولية بوقف التدخلات الإسرائيلية في الشأن الفلسطيني، وهو ما يبدو صعباً في ظلّ تعنت الحكومة الإسرائيلية الحالية.
الأردن الذي يعد أحد الأصوات العربية القليلة المتبقية التي تربط السلام بحل الدولتين، ما يعزز مكانته كـ«صوت للضمير العربي والدولي»، يجدد اليوم التأكيد على حل الدولتين كخيارٍ وحيد لحل القضية الفلسطينية وضمان السلام والاستقرار في المنطقة برمتها، إلا أن الواقع الذي يحاول الاحتلال الاسرائيلي فرضه على الأرض عبر اعتداءاته المستمرة يُعيد تشكيل الجغرافيا والديموغرافيا، فالمستوطنات تُقسّم الضفة إلى كانتونات معزولة، والقدس الشرقية تشهد تهويداً ممنهجاً. حتى الخطط الإسرائيلية الأخيرة مثل «صفقة القرن» تهدف إلى دولة فلسطينية مُقزّمة دون سيادة. هنا، يصبح الحديث عن حل الدولتين - دون آليات ضغط دولية لإجبار إسرائيل على الانسحاب - أقرب إلى الخطاب الرمزي، ما يُعيد طرح سؤالٍ جوهري: هل يمكن للدبلوماسية العربية أن تبتكر أدواتٍ جديدةً لمواجهة الأمر الواقع الإسرائيلي؟
المجتمع الدولي الموزع بين اللامبالاة والانحياز كان حاضرا وبقوة من خلال دعوة الملك إلى «جهد دولي فوري»، التي تُظهر إدراكاً بأن الموقف العربي وحده غير كافٍ. لكن هل يمكن لمجتمعٍ دوليٍ منقسمٍ (بين دعم غربي مطلق لإسرائيل، ومواقف روسية وصينية غامضة) أن يتحرك؟ التجربة السابقة مع مبادرات مثل «صفقة القرن» أو قرارات الأمم المتحدة التي يجمدها الفيتو الأمريكي، تشير إلى أن الأمل ضعيف. ومع ذلك، فإن إشراك الدول العربية مجتمعة في جهد موحد في الضغط الدولي، قد يُحدث فارقاً، خاصة إذا رُبط التطبيع بوقف العدوان.
وفي حديثه عن المقدسات اكد جلالته على اهمية دور الأردن في حماية المقدسات وتوظيف الشرعية الدينية كأداة سياسية لمواجهة التهويد في ظلّ المحاولات إلاسرائيلية المستمرة لتغيير طابع القدس، فإصرار الملك على «الوصاية الهاشمية» على المقدسات في القدس ليس دفاعاً عن رمزية دينية فحسب، بل تأكيدٌ على شرعيةٍ تاريخية تمنح الأردن دور الوسيط الذي تعترف به الأطراف الدولية، حتى في غياب حلولٍ سياسية، فالوصاية الهاشمية تعد بمثابة خط دفاع رمزي وقانوني اساسي في مواجهة المحاولات الاسرائيلية لتغيير واقع المقدسات على الارض.
في الخلاصة وضع الملك عبد الله الثاني في كلمته خارطة طريق واضحة، لكن تنفيذها يحتاج إلى:
- تحالف عربي ضاغط لإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية، عبر تنسيق المواقف في المحافل الأممية.
- إشراك الفصائل الفلسطينية في حوار جادّ لتحقيق الوحدة، مع ضمانات دولية بعدم عرقلة الانتخابات الفلسطينية.
- ابتكار أدوات ضغط جديدة مثل مقاضاة إسرائيل في المحاكم والمحافل الدولية.
- تعزيز الدور الإعلامي لكشف الانتهاكات الإسرائيلية، وكسب تعاطف الرأي العام العالمي. ــ الراي