الأخبار

د. رعد محمود التل : بين الإنتاج الفعلي والإنتاج الممكن: أين يقف الاقتصاد الأردني..؟؟

د. رعد محمود التل : بين الإنتاج الفعلي والإنتاج الممكن: أين يقف الاقتصاد الأردني..؟؟
أخبارنا :  

تشكل فجوة الإنتاج مفهومًا اقتصاديًا مهمًا لقياس أداء الاقتصاد من خلال الانتاج الفعلي مقارنةً بمستوى الإنتاج الممكن. وتحدث الفجوة عندما يكون الناتج المحلي الإجمالي الفعلي مختلفًا عن الناتج المحلي الإجمالي الطبيعي أو الممكن، وهو المستوى الذي يكون عنده الاقتصاد في حالة توازن دون ضغوط تضخمية أو انكماشية. فإذا كان الناتج الفعلي أقل من الناتج الممكن، فهذا يشير إلى وجود ركود اقتصادي وارتفاع في البطالة ومعدلات تضخم منخفضة نسبياً، أما إذا تجاوز الناتج الفعلي المستوى الممكن، فقد يؤدي ذلك إلى انخفاض كبير في معدلات البطالة يصاحبه ارتفاع بمعدلات التضخم نتيجة لضغوط الطلب الزائد.

نظرياً، هناك علاقة بين فجوة الإنتاج والتضخم ومعدلات البطالة، فعندما يكون الناتج المحلي الفعلي أقل من الناتج الممكن، يكون هناك موارد إنتاجية غير مستغلة بالكامل والعمالة (فرص التشغيل أقل ومعدل بطالة أعلى)، ما يؤدي إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي وانخفاض معدل التضخم.

وعلى العكس، عندما يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي الفعلي الناتج الممكن، يؤدي ذلك إلى زيادة الطلب على العمالة والموارد، مما يرفع الأجور والتكاليف، وبالتالي يزيد التضخم يصاحبه انخفاض في معدلات البطالة. هذه العلاقة تتماشى مع منحنى فيليبس، الذي يوضح أن انخفاض معدلات البطالة غالبًا ما يؤدي إلى ارتفاع التضخم في المدى القصير، لكن هذه العلاقة ليست ثابتة دائما وتعتمد على طبيعة الاقتصاد، فقد يحدث ركود تضخمي (وجود تضخم مع معدلات بطالة مرتفعة) إذا كانت هناك صدمات أخرى مثل ارتفاع تكاليف الإنتاج.

بالنسبة لأداء الاقتصاد الأردني وفجوة الإنتاج، ووفقًا للبيانات الرسمية، نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للأردن بنسبة 2.4% في الربع الثاني من عام 2024 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. كما بلغ معدل التضخم 2.3% خلال شهر يناير من العام 2025، لكن ولتحديد ما إذا كانت هناك فجوة إنتاجية يعاني منها الاقتصاد الاردني، يجب مقارنة الناتج الفعلي بالناتج الممكن!

ولتحليل فجوة الإنتاج في الأردن، ومن أجل قياس فجوة الإنتاج بدقة، يتم عادة استخدام عدة منهجيات، مثل تحليل الاتجاه طويل الأجل للناتج المحلي الإجمالي أو استخدام دالة الإنتاج التي تأخذ في الاعتبار العمالة، رأس المال، والتكنولوجيا وغيرها من عوامل الانتاج!

في الأردن، لا تتوافر تقديرات رسمية معلنة لفجوة الإنتاج، لكن بالنظر إلى معدلات النمو والتضخم المنخفضة ومعدلات البطالة المرتفعة (معدل البطالة للربع الثالث 2024 بلغ 21.5%) يمكن الاستدلال بأن الاقتصاد الاردني لا يعمل بالقرب من مستواه الطبيعي أي ان هناك فجوة إنتاجية كبيرة محتملة!

تتأثر الفجوة الإنتاجية في الأردن بعدة عوامل رئيسية، أبرزها ارتفاع معدل البطالة في السنوات الأخيرة، مما يشير إلى وجود فائض في سوق العمل. كما تلعب السياسات النقدية والمالية دورًا مهمًا، حيث يركز البنك المركزي على استقرار الأسعار والتحكم في التضخم، مما يحد من تأثير الفجوة الإنتاجية على الأسعار. بالإضافة إلى ذلك، تؤثر الظروف الإقليمية والدولية على الاستثمار والتجارة، مما ينعكس على الطلب المحلي والنمو الاقتصادي.

يعكس تباين معدلات النمو والتضخم والبطالة في الأردن وجود فجوة إنتاجية بين الناتج الفعلي والمحتمل، ما قد يؤدي إلى اختلالات اقتصادية، ولضمان استقرار اقتصادي مستدام، لا بد من تحفيز الإنتاجية للاقتصاد الاردني عبر تحسين بيئة الأعمال وتقديم حوافز للقطاعات الإنتاجية، وتعزيز مرونة سوق العمل من خلال تطوير المهارات وبرامج التدريب لتقليل البطالة الهيكلية. كما يعد ضبط التضخم عبر سياسات نقدية متوازنة ضروريًا للحفاظ على استقرار الأسعار دون التأثير سلبًا على النمو، إلى جانب مراقبة فجوة الإنتاج دوريًا باستخدام نماذج تحليلية دقيقة. إن تحسين الإنتاجية وتعزيز بيئة الأعمال يظلان عاملين أساسيين لتحقيق نمو مستدام واستقرار اقتصادي طويل الأمد.

تقليص الفجوة الإنتاجية في الأردن يتطلب استراتيجيات طويلة الأجل تركز على الابتكار وتحسين كفاءة القطاعات الإنتاجية التي تشير لها رؤية التحديث الاقتصادي مثل الصناعات الدوائية، الغذائية، التعدين، الزراعة وغيرها من القطاعات الحيوية في الاقتصاد الاردني، كل ذلك ممكن أن يساهما في زيادة الإنتاجية وخلق فرص عمل جديدة، مما يقلل البطالة ويدعم النمو الاقتصادي المستدام. كما أن تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والاستثمار في البنية التحتية والتعليم والتدريب المهني، سيساعد في رفع مستوى الإنتاج الفعلي. ومن خلال تحقيق الاستقرار الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية، يمكن دعم النمو وتقليل تأثير التقلبات الاقتصادية، كما يظهر في تجارب دول مثل سنغافورة التي اعتمدت التحول الرقمي، ودعمت الشركات الناشئة، وطورت التعليم المهني لزيادة الإنتاجية وتعزيز التنافسية.

رئيس قسم الاقتصاد - الجامعة الاردنية

ــ الراي

مواضيع قد تهمك