د. صلاح العبادي : «قمّة طارئة» مفصليّة جسّدت العمل العربي في أبهى صوره انتصاراً للقضيّة الفلسطينيّة

جاءت القمّة العربيّة الطارئة التي استضافتها جمهورية مصر العربيّة يوم أمس، بمشاركة قادة ورؤساء وزعماء الدول العربيّة، في مرحلة حرجة ومفصليّة، في وقت يلتف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويراوغ حتى لا يدخل في المرحلة الثانيّة من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزّة، ويطالب بتمديد المرحلة الأولى، دون استكمال تنفيذ الاتفاق بمراحله الثلاث.
هذهِ القمّة قدّمت خطّة واضحة وشاملة لإعادة إعمار قطاع غزّة بجهود عربيّة، فكانت قراراتها واضحة لرفض التهجير إنّ كان طوعيّاً أو قسريّاً، لما له من تهديدٍ للقضيّة الفلسطينيّة، والتأكيد على حلّ الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينيّة عند حدود الرابع من حزيران لعام 1967.
قرارات القمّة ترتقي لمستوى قرارات حاسمة ومفصليّة عبّرت عن نبض المواطن العربي، من خلال الرفض الصلب والحاسم لمخططات التهجير إن كان طوعياً أو قسريّاً، وتقديم خطّة بديلة تم بلورتها لإعادة إعمار القطاع، تتضّن تشكيل إدارة تحت مظلة السلطة الوطنيّة لإدارة القطاع المنكوب وحسم قضيّة من يحكم هذا القطاع ومستقبله، بما يضمن توفير مقومات الحياة الكريمة لأهالي القطاع.
كما تمخض عنها موقف عربي موحد يرفض التهجير ويؤكد على الإجماع العربي لاتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية ودولية لوقف محاولات إخراج الفلسطينيين من أراضيهم.
البيان الختامي للقمّة كان قوياً، وأوصل الصوت العربي الرافض للمخططات الإسرائيلية، حتى تدرك إسرائيل الكلف الباهضة للعودة إلى العدوان على القطاع، ويكبدها كلفاً سياسيّة واستراتيجيّة، إذا ما عاد نتنياهو للحرب التي من شأنها تحقيق هدفه المتمثل في التهجير، وتقويض مشروع إقامة الدولة الفلسطينيّة المتصلة من قطاع غزّة لأراضي الضفة الغربيّة، أو التصدي لنوايا ضمّ المزيد من الأراضي الفلسطينيّة لإسرائيل.
توقيت القمّة الطارئة جاء في غاية الأهميّة، وأكّد وحدة الصف العربي، وأظهر للعالم بأسره بأنّ العمل العربي المشترك اليوم في أبهى صوره منذ ما يزيد على ربع قرن، خصوصاً مع هذا الاجماع على قرارات القمّة.
يسجّل للقمّة بحثها لثلاث قضايا رئيسية تتعلق بالملف الفلسطيني، إذ يتمثل الملف الأول في إتمام عملية الهدن الثلاث المُتفق عليها، وأن يكون هناك استمرار لباقي المراحل بعد انتهاء المرحلة الأولى، والتأكيد على التزام إسرائيل بالبروتوكول الإنساني، ودخول المساعدات الإنسانيّة والطبيّة والإغاثيّة.
وبالتالي فإن مخرجات القمّة والاجماع الذي تحقق بين قادة وزعماء الدول العربيّة واضح وقدّم خطّة لإعادة الإعمار، بدءًا بإنشاء مناطق آمنة من الخيام والمنازل المتنقلة لأهالي القطاع للعيش فيها أثناء إعادة الإعمار للباقي على أراضيهم. وكذلك التأكيد على ضرورة تشكيل لجنة إدارة غزّة تحت مظلة الحكومة الفلسطينيّة، التي تتشكل من كفاءات من أبناء القطاع، لفترة انتقالية بالتزامن مع العمل على تمكين السلطة الوطنية للعودة إلى القطاع، والعمل على تقديم كافة أنواع الدعم المالي والمادي والسياسي لتنفيذها.
هذهِ الخطة من المتوقع أن تقدم للإدارة الأميركيّة خلال الشهر الحالي، من قبل وفد يمثل وزراء خارجيّة الدول العربيّة.
نجحت القمّة في تبني موقف قوي تجاه خطط الرئيس الأميركي، خاصة في ظل وجود اجماع عربي ضد هذا المخطط الذي يشكل ضرراً بالغاً بالأمن القومي العربي، ويسهم في إنجاح المخطط الإسرائيلي لتصفيّة القضيّة الفلسطينيّة، كما أنّ قرارات القمّة جاءت لمنع إدخال المنطقة في مرحلة جديدة من الصراعات، وتقويض فرص الاستقرار، وتوسيع رقعة الصراع ليمتد إلى دول أخرى بالمنطقة، حتى لا يكون تهديداً واضحاً لأسس السلام في الشرق منطقة الأوسط.
هذه القمّة التي خصّصت لقطاع غزّة جاءت بعد الخطة التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لتؤكد أنّ الأصوات العربيّة رافضة لكل طروحات التهجير، وتقف مع إعادة إعمار القطاع برؤية عربية، وكذلك وقف العدوان الإسرائيلي في الضفة الغربية بما في ذلك الاستيطان والفصل العنصري وهدم المنازل ومصادرة الأراضي.
القطاع المنكوب، مُني بخسائر فادحة جرّاء الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل منذ السابع من 7 تشرين الأول 2023 و19 كانون الثاني 2025، وأعمال إبادة جماعية بغزّة خلفت نحو 160 ألف شهيدٍ وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.
مصلحة غزّة وأهلها أنّ تعود إدارة القطاع تحت مظلة السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة دون غيرها؛ وهو ما ينعكس على استقرار القطاع، وضمان استمالة الجهود الدوليّة لإعادة إعماره وتوفير التمويل المطلوب له، الذي سيصل إلى نحو ٥٣ مليار دولار.
كما أنّ حركة المقاومة الفلسطينيّة حماس عليها أنّ تدرك أنّ مصلحة قاطني القطاع الذين يتجاوز عدد سكانهم مليوني نسمة تتطلب ابتعادهم عن مشهد «الحكم» في غزّة؛ خصوصاً وأن هذهِ المرحلة تتطلب تظافر الجهد العربي والدولي لإعادة الإعمار وتحشيد جهد المؤسّسات العربية والدوليّة، وهو أمر لا يمكن تحقيقه في حال بقيت حماس تتصدّر المشهد في القطاع، لا بل سيكون له تداعيات خطيرة تقوض المساعي الراميّة لإيجاد أُفقٍ سياسي لحلّ الدولتين. ــ الراي