سارة طالب السهيل تكتب : رمضان وصل طقوس وفانوس (2-2)

ورغم تشابه الطقوس الرمضانية في معظم بلادنا العربية والإسلامية، غير أن كل بلد له خصوصية يتفرد بها عن باقي الدول الأخرى، ومنها المدن السورية التي تزين شوارعها وأبوابها وحوانيتها بالآيات القرآنية والأنوار الملونة، وموائد الإفطار في سوريا تعج بكل انواع الاكلات الشعبيه والحلويات والمشروبات.
في سوريا يُطلق على تقليد تبادل الأطعمة بين الجيران قبل أذان المغرب «السكبة».
أهل فلسطين يستعدون قبل شهر رمضان بأيام قليلة بتجهيز جرات الفخار، ويصنعون الجبنة والشعيرية بأيديهم، ويقدمون للفقراء ما يحتاجون، ويتناولون الإفطار والسحور بشكل جماعي.
في المغرب، يحتفل المغاربة بقدوم رمضان بضرب النفير مرات عديدة كإشارة إلى بداية الصيام، ويتبادلون التهاني بعبارة «عواشر مبروكة» التي تعني «أيام مباركة».
في السودان، بعد استطلاع هلال رمضان، يُنظم الأهالي ما يُعرف بـ"الزفة»، حيث يشارك رجال الشرطة في تنظيم مسيرة كبيرة تتقدمها الجوقة الموسيقية العسكرية، وينضم إليها موكب من رجال الطرق الصوفية السودانية.
أما في الأردن، فيجب علينا تناول أي وجبة بيضاء في أول يوم رمضان ليكون شهرا أبيض مباركا، ويجب أن تجتمع العائلة في بيت الجد والجدة.
كما أن مساجد الأردن عامرة بالمصلين طوال العام، إلا أنه في شهر رمضان تحيي المساجدُ ليلاً بصلاة التراويح، وتتحول الأسواقُ القديمة في وسط البلد والأسواق إلى وجهةٍ للعائلات لشراء الحلويات والمكسرات. وأيضا تُخصص النسوةُ أيام الشهر الأخيرة لصنع كعك العيد، بينما يهرع الرجالُ لشراء الملابس الجديدة استعداداً للعيد. تظل القهوة العربية رفيقةَ السهرات في الدواوين، بالسهرات الرمضانية حيث تُروى الحكايات، وتُعاد ذكريات الماضي.
وقد كنت في طفولتي انتظر أذان المغرب ونحن مجتمعون حول التلفاز بالقرب من المائدة شبه الجاهزة، وأتابع فوازير رمضان والمسابقات الرمضانية ومسلسلات المبدعين الأردنيين.
في العراق؛ رغم التطور الإعلامي بمعرفة هلال رمضان عبر التلفاز أو الراديو فان العراقيين لا يزالون يحتفظون بالكثير من طقوسهم الرمضانية مثل إطلاق العيارات النارية عند رؤية الهلال، كما يحتفظون بتراث مدفع الإفطار.
ويحتفظ أهل بغداد بتقاليد موروثة أهمها «المسحرجي» أي المسحراتي، و"لعبة المحيبس» تعتمد هذه اللعبة على وضع الخاتم في يد أحد اللاعبين، والفريق المقابل يبحث بمهارته وخبرته عن مكان الخاتم، ويدفع الخاسر ثمن الزلابية التي توزع على أعضاء الفريقين والمتفرجين.
أما لعبة الماجينه، فيمارسها الأطفال، حيث يدورون على البيوت ليمنحهم أصحابها بعض النقود والحلويات، وفي نهاية الجولة يقوم زعيم الفريق بتوزيع المال المتجمّع على مجموعته، أو يشتري لهم بثمنه الحلويات، لكن هذا الطقس الطفولي اختفى من بغداد.
وبينما تزيين الشوارع تُتَبَادَل الزيارات ما بعد الإفطار، يُتَبَادَل الطعام ما بين الجيران والموائد المجانية، فقد اختفت طقوس رمضانية شهيرة مثل القصخون وهو الحكواتي الذي يجلس في المقهى لسرد القصص.
أما شهر رمضان في مصر فيكاد يُسْتَعَدّ له بدءا من شهر رجب وشعبان بالصيام، وتجهيز احتياجات رمضان الغذائية، وفي نهاية شهر شعبان تجهز الأسر زينة رمضان من فوانيس ومفارش وأغطية جديدة، بينما يتبارى الصبية بشراء الزينات لتزيين شوارعهم وإبرام الاتفاقات على الدورات الرمضانية عقب صلاة التراويح.
وقد كنت دائما أجول في شوارع السيدة زينب قبيل قدوم الشهر الكريم، واشترى زينة رمضان.
فشوارع مصر كلها فقيرها وغنيها تتزين بزينة رمضان بجانب زينة المساجد، وتملأ موائد الإفطار معظم شوارع مصر خاصة في العاصمة، بينما تصبح المزارات مقصدا أساسيا لصلاة التراويح، والقاهرة الفاطمية بالذات تزدان بروحانيات الشهر الكريم بمساجدها العتيقة التي تعود إلى ألف سنة، وتملأها محال بيع الفوانيس، وكل أشكال الإضاءة الحديثة، وما بين مجالس الذكر في المساجد، يتغنى المصريون بأغاني «رمضان جانا وفرحنا به أهلاً رمضان»، وابتهالات السيد النقشبندي، وتفسير الشيخ الشعراوي للقرآن الكريم.
رمضان في المملكة العربية السعودية؛ يمتاز بطقوس دينية واجتماعية وأعمال خيرية ومن بين الطقوس الرمضانية في السعودية الغبقة وهي اجتماع عائلي أو بين الأصدقاء بعد صلاة التراويح لتناول وجبة خفيفة وتبادل الأحاديث، مع انتشار هذه العادة في المناطق كالرياض والشرقية.
والكريكعان في منتصف رمضان، وطبعا تقديم الأكلات الرمضانية مثل العسل والتمر وغيرهما وتشتهر بعض الأكلات الخاصة في
الجنوب (مثل عسير) تُقدم أطباق مثل العصيدة. اما في المنطقة الشرقية فتشتهر بـالمكبوس. اما في نجد فالتركيز على أطباق اللحم المشوي والأرز الهاش.
وقد امضيت في الرياض اكثر من رمضان على مدى سنوات وقد كانت اجواء مليئة بالإيمان والطقوس الدينية حيث إنني في احدى الليالي الرمضانية في بيتنا في الرياض بعد يوم طويل من التعبد والأذكار رأيت أجمل رؤية في حياتي لا يمكن ان تنسى او تمحى من وجداني.
وما يميز اجواء الرياض الحياة الاجتماعية الحافلة فقد كنا نجتمع كل يوم بالتناوب بيننا كل يوم في بيت مختلف على السحور في أجواء تملأها الرحمة والمحبة.
أما في مكة والمدينة فتتجلى الحفاوة بشهر الصيام بتوزيع وجبات الإفطار داخل الحرمين التي تحتوي على التمر والحليب والعصائر والوجبات على الصائمين، إلى جانب موائد الرحمن.
وأهل الحجاز حريصون على طقس التوجه إلى المسجد النبوي قبل المغرب بنحو ساعة والجلوس حول الحجرة النبوية. وتحرص المنازل السعودية على توافر أطعمة بينها لشهر رمضان منها الجريش والقرصان والشوربا والفول والمقليات مثل السمبوسك والبريك والزلابية والسوبيا والمهلبية حمص الشام.
دول الخليج تتميز بعادات مثل «الشعبنة» التي تُقام في أواخر شهر شعبان، و"الغبقة» التي يلتقي فيها الأهل والمقربون بملابسهم الوطنية في أواخر رمضان،
حافظت دول الخليج الكويت والبحرين وقطر و الإمارات العربية المتحدة، على الموروث التقليدي وهو احتفال الأطفال بليلة الخامس عشر من رمضان، وهو يوم «القرقيعان»، وهو احتفال ترعاه الدولة والمؤسسات الخاصة بتقديم الهدايا والحلويات، حيث يرتدي الأطفال الأزياء الشعبية، ويطوفون على المنازل القريبة وهم يغنون، بغية ملء أكياسهم بأنواع الحلوى والمكسرات التي يجهزها الأهالي لإسعاد الصغار.
وقد حضرت شهر رمضان في (أبوظبي) في الإمارات في احدى السنوات بضعة ايام فأحسست بالمودة والتآلف والبساطة والأخلاق الطيبة.
يظل رمضان هو شهر الطاعة والتقرب من الله والتخلي عن الأطماع الدنيوية وصفاء القلوب وحب كل أشكال الخير، وهو شهر الفرحة والحب والسلام والتعاون والرحمة، فأهلا شهر الخير.