الأخبار

د. عامر بني عامر يكتب: هل تمت الصفقة بين الدولة والإخوان؟

د. عامر بني عامر يكتب: هل تمت الصفقة بين الدولة والإخوان؟
أخبارنا :  

منذ أن قررت الدولة التعامل مع ملف الجماعة والحزب المرتبط بها عبر المسار القضائي، بدأ الحديث يرتفع حول فرضية "الصفقة"، كخيار غير معلن لتسوية الملف بعيدًا عن القضاء، وبرأيي لم يعد هذا الطرح مجرد تخمين سياسي، بل قراءة يطرحها مراقبون كثر، في ظل هدوء متبادل، وغياب لمواجهات صريحة، ومساحة سياسية مفتوحة على التأويل، والسؤال الذي يفرض نفسه: هل ما نشهده هو نهاية فعلية لمعادلة طويلة، أم بداية تفاهم جديد بثوب مختلف؟

خطورة الصفقة لا تكمن فقط في مضمونها، بل في نتائجها بعيدة المدى، فهي تهدد مبدأ سيادة القانون وتضعف ثقة الشارع بمؤسسات الدولة، خصوصًا إذا تم تفسيرها داخليًا وخارجيًا كتنازل سياسي عن مسار مؤسسي، وكمنح امتياز لطرف سياسي على حساب مؤسسات الدولة، وهذا يفتح المجال أمام قوى أخرى للمطالبة بمعاملة خاصة، ويدفع باتجاه نهج استثنائي يزعزع مبدأ تكافؤ الفرص في الحياة السياسية.

الأثر السلبي لصفقة كهذه لا يقف عند الداخل، بل يمتد إلى صورة الأردن الإقليمية والدولية، فالدولة التي استطاعت أن تقدّم نموذجًا مؤسسيًا في الإصلاح السياسي والإداري خلال الأعوام الماضية، ستكون في موقع مقلق إذا ما بدا أنها تتراجع لصالح تفاهمات ظرفية، هذا سيؤثر على شبكة تحالفاتها الاستراتيجية، خاصة في ظل التحديات الأمنية التي تشهدها المنطقة، والتي تستدعي وضوحًا في المواقف لا تسويات رمادية.

من الطبيعي أن يكون هناك أطراف سياسية واجتماعية ترى في الصفقة مخرجًا ملائمًا، خاصة أولئك الذين فشلوا في تشكيل خطاب مستقل أو قاعدة جماهيرية، ويعتبرون بقاء الجماعة – ولو بشروط رمزية – فرصة لإبقاء مشهد التوازن التقليدي، وهناك من يروّج، عن قناعة أو مصلحة، بأن الجماعة لا تزال تملك مفاتيح ديمغرافية حساسة في الأردن، رغم أن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة تُفنّد هذا الادعاء بوضوح على مستوى أنماط التصويت وخلفية الفائزين.

الأخطر، أن الذهاب نحو تسوية غير قانونية قد يؤدي إلى خسارة معنوية لقاعدة واسعة من المواطنين الذين انتفضوا حبًا بالأردن وخوفًا على أمنه، وعبّروا عن دعمهم الصريح لمؤسسات الدولة في هذه المرحلة الحساسة، هؤلاء سيكون من الصعب استعادتهم إذا شعروا بأن ما دافعوا عنه قد تم التراجع عنه دون تفسير مقنع.

حتى الآن، ما تزال المعلومات والمؤشرات الدولة توحي بالالتزام بالمسار القضائي، الإجراءات والتوقيفات بقيت ضمن الحدود من ضمنها عدد محدود من القيادات، وهو ما فُسّر على أنه تعبير عن تدرّج وحكمة، لا مساومة، ويبدو أن هناك قرارًا بترك المسار القضائي يأخذ مداه الكامل، بحيث يُبنى عليه القرار – سواء بالحظر أو بالتصويب – من داخل المؤسسة القضائية لا خارجها، وهذا تأكيد جيد على مبدأ سيادة القانون وإبقاء القضاء خارج اللعبة السياسية.

أما في الطرف الاخر، فقد جاء رد الجماعة والحزب بقدر كبير من التهدئة: لا تحركات جماهيرية، ولا خطابات تصعيدية، بل نشاط ناعم على وسائل التواصل الاجتماعي، اعتمد سرديات عاطفية ودينية ومقاوِمة، وهذه الحملات، ورغم محدوديتها، لاقت صدى نسبيًا في ظل تراجع الزخم في الرواية الرسمية والذي قد يكون لصالح الإجراءات القضائية، خصوصًا أن الأيام الخمسة الأخيرة شهدت شبه فراغ في المجال العام، باستثناء تفاعل من أنصار "الجماعة" والحزب.

في هذا السياق، يبقى صمت الحزب على التصريحات التحريضية الصادرة من الخارج – تحديدًا من شخصيات وتنظيمات محسوبة على الإخوان الدولي – مثيرًا للتساؤل، فالحزب لم يرفض أو يعلق، وهو ما يُقرأ في اتجاهين: إما أنه لا يريد خسارة الحلفاء ويفتح الباب لتصعيد محتمل لاحقًا، أو أنه يسعى لتأكيد استقلال قراره كمكوّن محلي لا يرتبط بتلك الامتدادات، لكن هذا الصمت، بغضّ النظر عن تفسيره، يُفهم أحيانًا كاعتراف ضمني بالخطأ أو كمقدمة لتفاهم غير معلن.

اللحظة الحالية هي لحظة حسم، لا مجال فيها للمجاملة ولا للمغالاة، إما أن نذهب إلى نهاية المسار القضائي بشفافية ودون تدخل أو انتقام، وإما أن نعود -وهذا خيار لا أرجحه- إلى مربع الثنائية التي جلبت أزمات هيكلية للمشهد السياسي لعقود، الدولة اليوم بحاجة إلى قرارات صلبة، تؤسس لمشهد جديد لا يقوم على الاستثناءات ولا على التفاهمات غير المعلنة.

وفي هذا السياق، فإن نصيحة المراقبين – ومن بينهم كاتب هذه السطور – أن تستمر الدولة بالنهج القانوني ذاته الذي بدأت به، وأن تتجنب المغالاة كما تتجنب التسويات غير المعلنة، فالأردن الذي نجح في استيعاب الجميع، يجب أن يبقى آمنًا مستقرًا ليستطيع أن يحمي الجميع، وهذا لا يتحقق إلا حين يكون القانون هو المرجعية الوحيدة، وحين يكون المشهد السياسي مفتوحًا لمن يلتزم بقواعد العمل العام، لا لمن يبحث عن استثناء في لحظة حرجة.

مواضيع قد تهمك