د. صلاح العبادي : دمشق و"قسد" ومخاوف التصعيد!

تتصاعد المخاوف من بوادر توتر جديد بين الحكومة السوريّة وقوات سوريا الديمقراطيّة "قسد".
ما شهدته منطقة سد تشرين في ريف حلب الشرقي، من دخول قوات من الجيش السوري إلى أطراف هذه المنطقة، وإقامتها نقاطاً عسكريّة يُعد تمهيداً للسيطرة على السد الاستراتيجي.
يتزامن هذا التصعيد مع دفع الجيش السوري بتعزيزات ضخمة نحو محاور القتال مع قوات سوريا الديمقراطيّة، التي ردت في تمركز قواتها في قرية أبو قلقل على بعد 7 كيلومترات من السد، مشددة على رفع الجاهزيّة القتالية في مواجهة التصعيد!
توتر يأتي في إطار تصاعد الخلافات السياسيّة بين دمشق و"قسد"، بعد أنّ اعتبرت الرئاسة السوريّة تصريحات وتحركات قادة قوات سوريا الديمقراطيّة التي تدعو إلى الفيدراليّة، تتعارض مع مضمون الاتفاق الذي وقع بين الرئيس السوري أحمد الشرع ومظلوم عبدي، قائد "قسد" التي تدعمها الولايات المتحدة، والذي يهدد وحدة البلاد!
الرئاسة السورية أكّدت في بيانها رفضها لأي محاولات تهدف إلى فرض تقسيم أو إقامة كيانات منفصلة.
قائد "قسد" مظلوم عبدي كان هو الآخر قد أكّد في كلمة له خلال مؤتمر "وحدة الصف الكردي" بالقامشلي يوم السبت الماضي على "ضرورة ضمان حقوق الأكراد في سوريا الجديدة"، قائلًا: "خضنا حربًا منذ 14 عامًا وقدمنا 13 ألف شهيد من أجل شعوب المنطقة".
إرسال هذهِ الأرتال العسكريّة يؤشر إلى الاقتراب أو التلويح بخطوة ارتفاع وتيرة التصعيد بين الحكومة السورية والأكراد، في وقت أقدم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على قتل خمسة مقاتلين أكراد؛ وهو ما يعدّ أحد أعنف الهجمات ضد القوات منذ فترة، حيث كان تنظيم "الدولة الإسلامية" مسيطراً على مدينة دير الزور في العام ٢٠١٤، لكنّ الجيش السوري استعادها عام ٢٠١٧.
مع هذا التصعيد العسكري.. هل سيتطور هذا النزاع إلى مواجهة شاملة بين الجيش السوري و"قسد"؟! أم أنّ هناك فرصاً للتفاوض والتهدئة في ظل التوترات الحالية؟!
يبدو أنّ ارسال القوات السوريّة إلى محيط سد تشرين دون الدخول إليه، وهذا يأتي ضمن الاتفاق السابق بين الطرفين.
ويخشى أن يشكّل الدفع بقوات إلى سد تشرين "خطوة تصعيدية" بعد بيان الرئاسة السوريّة عن إخلال "قسد" بالاتفاق الذي وقع في شهر آذار الماضي.
إرسال قوات إلى السد "مؤشر" على بدء معركة تم تأجيلها للسيطرة على السد، وهو ما يشير إلى أن الاتفاق الموقع مع "قسد" تم إيقافه بعد بيان اجتماع الأحزاب الكردية في مدينة القامشلي السبت الماضي.
فهل يعد إرسال قوات عسكريّة إلى السد مؤشراً على بدء معركة تم تأجيلها للسيطرة على السد؟!
محيط سد تشرين، الذي يقع حوالي 30 كلم جنوب شرق مدينة منبج، شهد اشتباكات عنيفة خلال الأشهر الأربعة الماضية، لكنّ الاتفاق الذي تم توقيعه بين الحكومة السورية و"قسد" منتصف شهر آذار الماضي أوقف الاشتباكات، ودخلت فرق فنية إلى السد تمهيداً لتسليمه للحكومة السورية ودخول الأمن العام السوري لحماية السد، لكنّ قوات "قسد" أوقفت الاتفاق وبقيت عناصر من قواتها.
يبدو أنّ التأخير في تسليم قسد إلى القوات السوريّة ومؤتمر الحوار الكردي سبب بتوتراً كبيراً جعل قوات الدفاع السوريّة ترسل هذهِ التعزيزات العسكرية في إطار إيصال رسائل سياسيّة وعسكريّة إلى قسد، وهو ما يستبعد أن يحدث صداماً كبيراً بين الطرفين، خصوصاً وأنّ كلا الطرفين لا يبحثان عن الصدام والمواجهة نظراً لتكلفته العالية على الجانبين.
الدولة السوريّة لن تقبل بأي حالة انفصالية تحت أي مسمى كان، وستقوم بتوحيد الدولة السوريّة سواء كان من خلال سياق سياسي، اعتماداً على الحوار أو المفاوضات أو في سياق عسكري يتضمن قوة الجيش والعسكرة.
من الأفضل للجميع اليوم تغليب لغة الحوار على لغة السلاح!
فضلاً عن ذلك فإن قسد حتى اليوم تماطل في تنفيذ بنود الاتفاق، وإذا ما واصلت المماطلة، فإنه من غير المستبعد حدوث اشتباكات في مناطق محليّة، وهو ما يمكن أن يفضي إلى استخدام القوة العسكريّة؛ لتفرض الدولة السوريّة على قسد ما تعهدت به قسد على نفسها.
وهنا يدور التساؤل حول استعداد الجيش السوري للمواجهة؟!
وإذا ما حدثت اشتباكات محدودة فإنّ ذلك قد يؤدي إلى إنهاء ملف "قسد" في مناطق غرب نهر الفرات بالكامل، وحصر هذهِ المشكلة جغرافياً في مناطق شرق الفرات والتي تسمى عند السوريين "الجزيرة السوريّة"!
لا اعتقد أنّ هذا سيوافق عليه الجانبان؛ لكنّ المسار بين الحكومة السوريّة وقسد في غاية التعقيد، وسيدخل في الكثير من التوترات، التي من الأمنيات حلّها سلمياً.
وحدة سوريا يفترض أنّ تكون من ضمن ثوابت الشعب السوري، التي إذا ما حدثت ضمن السياق الدبلوماسي، فإنّ ذلك قد يحدث من خلال القوّة العسكريّة؛ لأنّ الحكومة السوريّة تسعى لتوحيد أرضها.
وتسيطر قوات "قسد" على مناطق واسعة شمال وشرق سوريا، بينها سدّ تشرين في ريف مدينة منبج بمحافظة حلب.
ويقع سد تشرين على نهر الفرات في منطقة منبج، ويبعد عن حلب 100 كيلومتر، ويمتد على نحو 900 متر، ويضم 6 توربينات لتوليد الكهرباء، ودخل الخدمة عام 1999.
ويشهد الاتفاق بين دمشق وقسد صعوبات في التنفيذ، وسط تصاعد التوتر بعد المؤتمر الذي حضره ممثلو أكراد من تركيا والعراق.
وبعد أسابيع من توقيع الاتفاق بين سوريا وقسد عادت التوترات إلى الواجهة مع تصاعد الخلاف حول وحدة البلاد ومستقبل شمال شرق سوريا.
دمشق أعادت تأكيد أن وحدة سوريا أرضاً وشعباً خط أحمر، وهي لن تسمح بأي مشاريع تهدد الهويّة الوطنيّة، أو تفتح الباب أمام التقسيم مهما كانت الذرائع والتسميات.
تبقى التساؤلات التي تدور حول هل سوريا أمام خطر التقسيم؟ وهل سوريا أمام تصعيد سياسي بين دمشق والأكراد قد ينسف جهود الحل الوطني الشامل؟ وهل تملك قسد هامش المناورة بعد الاتفاق أم أنّ الاندماج الكامل مع مؤسسّات الدولة أصبح الوحيد على الطاولة؟!
ويبقى الحس الوطني للشعب السوري يتمثل في الفكر الوطني الجمعي، والهويّة الوطنيّة الجامعة للشعب السوري تتمثل في ما فوق المكونات، وهو فكر نشأ وتبلور في مسيرة واضحة ضمن الهويّة الجامعة، ضمن سياق التوحد دون تشاطر سوريا أو تتفق مع الفكر الانفصالي، لأنّ الحديث من قبل "قسد" عن اللامركزيّة يعني في الحقيقة الذهاب نحو الانفصال وهو لا يخدم مصلحة الدولة السوريّة وشعبها.