الأخبار

اسماعيل الشريف يكتب : التعرفات الجمركية في مرمى خبراء الاقتصاد

اسماعيل الشريف يكتب : التعرفات الجمركية في مرمى خبراء الاقتصاد
أخبارنا :  

هذه الحرب الاقتصادية ليست حربًا تجارية، بل صراع على الهيمنة النقدية والاقتصادية. وستتعرض الأسواق لصدمات مستمرة ما لم يتم الاتفاق على إطار جديد للعلاقات الاقتصادية بين واشنطن وبكين- الخبير الاقتصادي محمد العريان.

في يناير 2018، فرض ترامب رسومًا جمركية على صناعة الصلب الصينية بهدف إنعاش صناعة الصلب الأمريكية وخلق فرص عمل. وبالفعل، تم توفير ألف وظيفة جديدة، ولكن في المقابل خسرت الولايات المتحدة خمسة وسبعين ألف وظيفة. وقد نتجت هذه المفارقة عن أن قرار ترامب أدى إلى ارتفاع الأسعار على المستهلكين، مما تسبب في تراجع الطلب، واضطرت المصانع إلى خفض مصاريفها لجعل سلعها أكثر تنافسية، فلجأت إلى تسريح العمال.

فور إعلان ترامب زيادة التعرفات الجمركية على دول العالم، تراجعت الأسواق، وانخفض الدولار، وارتفعت عوائد سندات الخزينة، فيما سجلت أسعار الذهب ارتفاعات قياسية بسرعة البرق.

تناولت تقارير اقتصادية موثوقة آراء أبرز الخبراء بشأن قرار ترامب بزيادة التعرفات الجمركية، خاصة على الصين.

من بين أهم الاقتصاديين في العالم، يبرز هوارد ماركس، الذي تنبأ بانهيار أسهم شركات التكنولوجيا بين عامي 2000 و2002، ثم بأزمة الرهن العقاري عام 2008، وأخيرًا جائحة كورونا عام 2022. وصف ماركس قرار ترامب بأنه بمثابة تسجيل هدف في مرماه، مشبهًا إياه بالقرار الشعبوي لبريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي (البريكست)، الذي أسفر عن تراجع الناتج المحلي وركود الاقتصاد.

أدت العولمة إلى زيادة رفاهية المواطن الأمريكي وارتفاع الأجور، في حين أن حماية مصالح المنتجين المحليين ستضر بمصالح المستهلكين، كما ستؤثر على تغير التحالفات وتراجع الاستثمارات داخل الولايات المتحدة. ويُشكك ماركس في قدرة الولايات المتحدة على تحقيق الأهداف المعلنة، وأهمها تقليص العجز وتشجيع الإنتاج المحلي، إذ إن هذه أهداف لا يمكن تحقيقها بسهولة. وطالما أن الاقتصاد الأمريكي هو الأكبر في العالم ويتمتع بالازدهار، فإن ثمن ذلك يتمثل في استيراد البلاد أكثر مما تصدره، ولن تُحل هذه المعضلة عبر فرض التعرفات الجمركية، خاصة مع غياب البنية التحتية الصناعية الكافية. ويضرب مثلاً بأن الولايات المتحدة لا تملك أي مصنع لإنتاج الشاشات المسطحة أو الحواسيب، وحتى تتمكن من تصنيع هذه السلع ستحتاج إلى سنوات طويلة، وحتى لو أُنتجت محليًا فستكون كلفتها مرتفعة.

في الواقع، كان أكبر خطر نجم عن قرار ترامب هو تفشي حالة الضبابية في الاقتصاد العالمي وتزعزع الثقة في متانة الاقتصاد الأمريكي.

أما راي داليو، مؤسس صندوق التحوط العملاق بريدج ووتر، فهو صاحب نظرية «الآلة الاقتصادية» القائمة على ثلاثة مبادئ رئيسية:

الأول: أن النمو الاقتصادي الطويل الأمد يعتمد على الابتكار والتكنولوجيا والكفاءة، وهو نمو بطيء وثابت.

الثاني: دورة الائتمان القصيرة، التي تستغرق عادةً من خمس إلى ثماني سنوات، حيث تمر الدول بفترات توسع اقتصادي يعقبها ركود عندما يصبح الدين عبئًا.

الثالث: دورة الائتمان الطويلة، التي تمتد بين خمسين إلى سبعين عامًا، وعندما تتراكم الديون على المدى الطويل وتقترب أسعار الفائدة من الصفر وتفقد البنوك أدواتها الفعالة، يحدث ما يسميه داليو «إعادة الضبط الاقتصادي».

في أوقات الأزمات الاقتصادية، تلجأ الدول إلى التوسع في طباعة النقود، مما يؤدي إلى التضخم، وتتغير معه موازين القوى، كما يظهر بوضوح في المشهد بين الصين والولايات المتحدة. ويصل راي داليو إلى استنتاج مفاده أن الولايات المتحدة تمر حاليًا بالمرحلة الثالثة، وهي مرحلة الانهيار، في حين أن الصين تعيش مرحلة الصعود.

ويصف بول كروغمان، الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، قرار ترامب بأنه قرار غير عقلاني وغير فعّال، مؤكدًا أنه لن يعيد الوظائف، بل سيؤدي إلى زيادة الأسعار، وإذا ما تصاعدت السياسات الحمائية، فقد يؤدي ذلك إلى انهيار النظام المالي العالمي. أما زميله الحاصل أيضًا على جائزة نوبل، جوزيف ستيغليتز، فيصف قرار ترامب بأنه تهديد للنظام الليبرالي، مشيرًا إلى أن ترامب يحاول معالجة مظاهر العجز التجاري دون التصدي لأسبابه الحقيقية، معتبرًا أن رد الصين كان حكيمًا.

ويتوقع عالم الاقتصاد نوريل روبيني أن يؤدي قرار ترامب إلى ركود كبير وإلى الإضرار بسلاسل التوريد العالمية.

ورغم ما يحدث، لا يزال الرئيس ترامب يتحدث عن النجاح الكبير الذي حققه، غير أن الأرقام تروي قصة مغايرة، حيث تظهر نتائج الاستبيانات أن أداؤه الاقتصادي يحظى بتأييد 30% فقط من الشعب الأمريكي. لفهم ذلك، علينا أن نَفْصِل شخصية ترامب عن الواقع القائم؛ إذ إن سلوك ترامب تحكمه ثلاثة مبادئ تعلمها من أحد محاميه في نيويورك: ألا يعترف بالهزيمة، وأن يهاجم خصمه بشدة، وألا يقر بالخسارة مطلقًا. وقد تناولتُ هذا الموضوع باستفاضة في مقالة سابقة.

ويعلم ترامب في قرارة نفسه أن قراره كان خاطئًا ومتسرعًا، لذا بدأ يغازل الصين ورئيسها، آملًا أن يبرم صفقة معها، وأجّل تطبيق التعرفات الجمركية لتسعين يومًا، ومن المؤكد أنه سيلغي بعضها ويعدل البعض الآخر. ومع ذلك، فإن الضرر قد وقع: العولمة تتراجع، والنقود والأسهم تتآكل، والأسعار سترتفع.

أما الرابحون في الأردن من قرار ترامب، فسيكونون الصناعيين وأصحاب الأصول الملموسة والسوق المالي، في حين سيكون القرار سيئًا بالنسبة للذين يكنزون الدولار والمستوردين.

أنا شخصيًا متفائل، فقرار ترامب وسياساته لن تزيد اقتصادنا إلا قوة. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك