حمادة فراعنة : محاكمة المستعمرة

لم يكن صدفة، صدور قرار من وزارة العدل الأميركية يوم 26/4/2025، برفع الحصانة القانونية عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، تمهيداً لمحاكمتها، داخل الولايات المتحدة، أسوة بموقف حكومة المستعمرة ومجاراة لقرار الكنيست الصادر يوم 28/10/2024 بإخراج الوكالة عن القانون وإغلاق مكاتبها في القدس، ومنع عملها داخل فلسطين، تحت حجة باطلة أنها متورطة، أو بعض العاملين معها، بدعم «الإرهاب» الفلسطيني.
لم يكن صدفة صدور القرار الأميركي، متزامناً، أو قبل انعقاد جلسة محكمة العدل الدولية في لاهاي يوم 28/4/2025، بهدف تقييم اداء المستعمرة، والتوصل إلى رأي استشاري حول مدى تورط المستعمرة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية: 1- الإبادة الجماعية، 2- التطهير العرقي، 3- التجويع المتعمد للمدنيين الفلسطينيين، ومنع عمل وكالة الاونروا، وباقي مؤسسات الأمم المتحدة من تأدية وظائفها في فلسطين.
تاريخ انعقاد محكمة العدل الدولية، معلن منذ فترة طويلة، ولذلك سارعت قوى النفوذ الصهيوني، واطراف إدارة ترامب في العداء للشعب الفلسطيني، المؤيدة الداعمة للمستعمرة الإسرائيلية بسرعة إصدار قرار وزارة العدل الأميركية ليسبق ما يمكن أن يصدر عن محكمة العدل الدولية، من قرار استشاري في تجريم المستعمرة وسلوكها العدواني المتعمد ضد الفلسطينيين.
الدبلوماسية الفلسطينية نشطة، تتمتع بسمعة ومكانة لائقة على جبهة المواجهة الدبلوماسية السياسية القانونية، والتصدي لاجراءات المستعمرة، وداعمتها الولايات المتحدة، موظفة كل نفوذها لمنع المساءلة القانونية الدولية عن المستعمرة وجرائمها.
السفير المقاتل الدبلوماسي د. رياض منصور سفير فلسطين لدى الأمم المتحدة، تمكن من خلال المعطيات المتوفرة، والتجارب التراكمية، وصمود شعبه على الأرض، والتضحيات الكبيرة التي قدمها طوال عشرات السنين، وما يتعرض له من أذى وجرائم يصعب حصرها، بسبب حجمها وتعدادها، عمل السفير على استثمار هذه العوامل، وتوظيفها لمصلحة شعبه، ولهذا نجد أن المبادرات الفلسطينية في نطاق المؤسسة الدولية تأخذ مجراها في سياق التفهم أو التعاطف أو التأييد أو التضامن مع الشعب الفلسطيني، والرفض والإدانة لسلوك المستعمرة الإسرائيلية وسياساتها.
مؤسسات الأمم المتحدة، وفي طليعتها الجمعية العامة ظلمت الشعب الفلسطيني ولم تنصفه بدءاً من قرار التقسيم 181، حيث أعطت مشروع الصهيونية الإسرائيلية 54 بالمئة من مساحة فلسطين و45 بالمئة للفلسطينيين، وفق قرار التقسيم الصادر يوم 29/11/1947، ومع ذلك تمادت المستعمرة واحتلت 78 بالمئة من مساحة فلسطين عام 1948، ورغم هذا التمادي، تم قبول مشروع المستعمرة عضواً عاملاً لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة، بشرط قبول حكومة المستعمرة تنفيذ قراري الأمم المتحدة: 1- قرار تقسيم فلسطين 181، 2- قرار عودة اللاجئين 194 إلى المدن والقرى التي سبق وطُردوا منها عام 1948.
لم تنفذ المستعمرة لا قرار 181، ولا قرار 194، وتمادت في جرائمها، حيث توسعت باحتلال كامل خارطة فلسطين عام 1967، وها هي «تحرق بنها» باحتلال المزيد من الأراضي اللبنانية والسورية، والتمادي في فرض شروطها على من هم حولها، مثلما تسعى لفرض مصالحها في أن تبقى هي الطرف الوحيد المالك للأسلحة النووية دون سائر شعوب المنطقة و بلدانها، فقامت بتدمير قدرات حزب الله، مقرونة بعمليات الاغتيال لقياداته العسكرية والسياسية، وتدمير كامل قدرات الجيش السوري وأسلحته وطيرانه وصواريخه وقواعده الجوية والأرضية والبحرية، وتعمل على تدمير قدرات إيران ومشروعها النووي، ويتم هذا بدعم كامل من الولايات المتحدة.
حصيلة ذلك أن النضال الفلسطيني متعدد الأدوات والأشكال، والجبهة الدبلوماسية هي أحد عناوينها وأدواتها، مدعومة من قبل كل الأشقاء والأصدقاء للشعب الفلسطيني. ــ الدستور