الأخبار

د محمد العزة يكتب : السياسية الأردنية والخيارات الصعبة.

د محمد العزة يكتب : السياسية الأردنية والخيارات الصعبة.
أخبارنا :  

د محمد العزة

يسجل التاريخ اليوم لحظة من أكثر اللحظات و الفترات الزمنية وضوحا و صراحة بل خطورة و صعوبة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي الممتد من 77 عام من عمر القضية الفلسطينية ، ويعود ذلك لاستخدام القوى الكبرى و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية الداعمة للثكنة العسكرية الاسرائيلية لسياسة الإجبار و فرض سياسة الأمر الواقع من منظورها القاصر له وليس من باقي زوايا التي تتجلى فيها عدالة المشهد كمتطلب و استعمال الادوات العسكرية و الاقتصادية للضغط على الدول العربية المعنية بشكل مباشر في إيجاد عناوين الحل النهائي للصراع دون ما يتوافق أو يتناسب معها و مع الشرعية الدولية و يتماشى مع أساس حقيقية و حقائق السردية لنشوء القضية الفلسطينية و مشروعية حقوق شعبها أصحاب الأرض الذي عبر العالم عن أحقيته فيها من خلال القرارات 181 قرار التقسيم ، 194 حق العودة ، 242 وقف إطلاق النار التي شخصت حالة الصراع في القضية الفلسطينية أنه بين قوات احتلال غازية و شعب محتل يحق له المقاومة لاسترداد أرضه وإقامة دولته المستقلة.
خطورة أو صعوبة المرحلة تكمن في استبعاد الإدارة الأمريكية الحالية فكرة تحميل مسؤولية حليفتها و اداتها في المنطقة مسؤولية انتهاكها القانون الدولي و قيامها بشن حرب تدميرية و اقترافها جرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني في الضفة الفلسطينية و قطاع غزة، ذنبه الوحيد أنه يرزح تحت احتلال طويل الأمد دون حل عادل ، لتتجاوز حدود العقل و المنطق بأن ذهبت هذه المرة في المغالاة في تأييد حليفها الإسرائيلي و تدعم فكرة التهجير القسري للشعب الفلسطيني من أرضه كما جاء خلال تصريحات رئيس تلك الإدارة الذي ناقش حل القضية الفلسطينية بعقلية الوسيط و المطور العقاري الذي يريد أن يكافيء حليفه على ما أنجزه من قتل ودمار و بناء على أنقاض ما دمره منطقة تجمع اسكانات عقارية بمواصفات تضمن الرفاهية لمرتكبي الجريمة على حساب الضحية من الشعب الفلسطيني الذي قدم آلاف الضحايا من الأطفال والنساء و الجرحى و الأيتام و المفقودين و المشردين في مقاومته لأجل نيل حريته و حقه في إقامة دولته المستقلة.
هذا التحول الدراماتيكي في مواقف الإدارة الأمريكية أثار موجة قلق و غضب عالمية لما يشكل هذا الموقف من انتهاكات صارخة للقوانين والتشريعات وحقوق الإنسان الدولية و الإخلال بالسلم و الامن العالمي بالإضافة إلى تجاهل قنوات الحل الديبلوماسية والسياسية التي تنتهي في العادة بالجلوس على الطاولة المستطيلة و إيجاد الحل للصراعات العسكرية و الأمثلة عدة ابتداءا من الحرب العالمية الأولى وما بعدها إلى يومنا هذا من تاريخ الحروب و الصراعات حول جميع أنحاء العالم ، لتنتهي بالوصول إلى اتفاقيات و حلول وسط بعيدا عن الانحياز و التطرف لاي طرف من الأطراف .
عربيا كانت القرارات وفق من يفكر ضمن المنطق الآتي اذا ما نجحنا في تحويل ظروف الواقع من الإجبار إلى طور الاختيار الجزئي فأن هذا أمر جيد ، فعليا نحن الأن أمه تحت الاملاءات ، (على حد تفكيرهم ) ولكن ان نحاول من تقليل الأضرار والحفاظ على مكاسب كانت في طي الفقد هذا أمر جيد قادم الأيام خاصة بما يتعلق باتفاقيات إقامة العلاقات الثنائية ما بين أطراف الصراع العربي الإسرائيلي وهناك من ربطها بتحسين الشروط على مسار ملف القضية الفلسطينية و هذا أمر جيد .
أردنيا وهو صاحب الموقف الاكثر وضوحا و صراحة و صرامة و ديناميكية في ديبلوماسيته الهادفة إلى تنسيق موقف و دور سياسي وفق ما يتناسب مع مستوى التضامن العربي الذي يوفر حد مناسب يدعم قراراته القادمة تجاه مخططات الثكنة العسكرية الاسرائيلية التي تستهدفه و الشقيقة مصر و في ظل عقلية المطور العقاري الأمريكية التي تدعمها بما يخص تهجير جزء من سكان قطاع غزة و الضفة الفلسطينية، في تهديد واضح للأردن مع أخذنا بعين الاعتبار أن الفصائل الفلسطينية سواء فتح أو حماس وغيرها كلها منقسمة وهذا يضعف الموقف الاردني الرسمي والشعبي لرفض ما يتم التخطيط له للأردن و فلسطين ، الأمر الذي قد يدفعه إلى خطوات أحادية الجانب و قرارات صعبة رغما عنه كما حدث في الماضي للحفاظ على كيانه و هويته و منحه مساحة أوسع للحركة له و لابناء شعبنا الفلسطيني في الداخل اما السلطة فالله أعلم ما يخبيء لها المستقبل اذا لم تتفق تلك الفصائل على الوحدة تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل شرعية السلطة داخل إطار مشروع التحرر الوطني الفلسطيني لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس و الاعتراف بها دوليا .
هذا الأمر يدفعنا جميعا إلى عقلنة الخطاب وتوحيده نحو صياغة تركز على تقديم الدعم لصمود الشعب الفلسطيني على أرضه و عدم إعطاء ذريعة للكيان الصهيوني لاكمال مخططه ، خاصة أن قطاع غزة الان منطقة منكوبة غير قابلة للحياة و بعد نشوة انتهاء المرحلة العسكرية هناك المعركة السياسية وهي الاصعب، والتي تتطلب رفض قوي ضد صيغة أي مشروع للتهجير القسري و الانصياع لأصوات الخروج المؤقت وهذا ما ينتظره الكيان الصهيوني و يتيح له المجال العدوان على دول مجاورة أخرى و فرض تهجير شعوبها مستقبلا .
7 مليون فلسطيني وجب تقديم الإسناد لهم و دعم صمودهم و الأجدى و الأحق أن تقوم امريكا بتطبيق القرارات الدولية أو أن تتحمل مسؤوليتها مع الكيان الصهيوني كونها هي من تدعمه كمحتل و إلزامه بواجبه حسب ما جاء به القانون الدولي و بنوده حول ما يتعلق المحتل تجاه الدولة التي يحتلها أو إعادة الأمور إلى ما قبل ٤٨ و عودة اللاجئين لارضهم.
في ٤٨ كانت الدول العربية حديثة العهد والاستقلال و لم تملك خبرة إدارة تأسيس أنظمة الدولة و رسم سياساتها و معرفة مصالحها كونها تخضع لسيطرة الاستعمار الغربي .
اليوم لدينا دول مستقلة في كيانها و قيادتها تملك من الوعي أن السياسة تقوم على المصالح المشتركة ، لهذا لابد من إيصال رسائل أن سياسية الولايات المتحدة الأمريكية التعسفية تضر بمصالحها مع الدولة العربية في المنطقة لحساب إرضاء حليفتها الثكنة العسكرية الاسرائيلية.
الاردن حليف نفسه و ثقته بالله ثم عبدالله و شعبه و عمقه العربي الذين يحملوا ذات فكره و معتقده و عقيدته وثم علاقاته الديبلوماسية المعتدلة متعددة الأطياف و الاتجاهات والمستويات السياسية و الديبلوماسية الدولية .
في الماضي عام ٦٨ يوم الكرامة لم تكن العلاقات العربية العربية على مايرام و كانت الدولة الأردنية تعيش حالة تصعيد جراء الضغوطات الداخلية و الخارجية لتداعيات النكسة العربية في ٦٧ و دخلنا يومها معركة الكرامة ٦٨ مع الكيان الصهيوني لصد عدوانه و كان الخطاب مدويا من المدفعية الأردنية و البندقية الفلسطينية و انقطعت الاتصالات اللاسلكية مابين القيادة و الجيش ضمن تنسيق كلمة السر فيه أن قاتلوهم بأيديكم بأظافركم ، فكانت معركة الحسين و مشهور جازي الحديثة و الشعب الاردني ضمن تكتيك تنسيق الجهود و الأدوار .
كانت العلاقات العربية العربية متوترة و مقسمة و منقسمة مابين معسكرات دولية و إقليمية كما هو الوضع الحالي ، بل اسوء اليوم ، لكن اليوم انكشفت الأقنعة عن المخططات الصهيونية و الأمريكية التي كانت غير ظاهرة للشارع العربي بشكل صريح ، لكنها مع مظاهر القتل و المجازر الوحشية الصهيونية وما سبقها من حروب أمريكية على العراق و اذكاء فتيل الربيع التفتيتي العربي ، تشكلت قناعة داخل الوعي الإدراكي لجيل الشباب الحالي أننا أمام عدو ذو عقلية متطرفة ، حتى الدين استخدمه في خدمة أهدافه السياسية سواء في المعسكر الاسرائيلي أو العربي ، فلم تكن المليشيات و التنظيمات الدينية الا ادوات تحريك ذات مشروع وأهداف سياسية لفرض بيئة تتيح إخلال في موازين القوى على الأرض ، ترمي لإضعاف و تفتيت و تشتيت و تغليف الأهداف بقدسية الشعارات و رهن قرارات القيادة السياسية لحسابات عدة .
لكن من باب صناعة حالة وعي سياسية صحية تتمتع بعافية و عقلانية ، يتطلب الأمر منا في الاردن مزج كل عناصر الفكر المعتدل وبناء نموذج سياسي و اقتصادي و اداري يشعرك بأهمية الانتماء للأرض و الوطن وصدق العلاقة معهما و أهميتك انت كفرد ليكون دافعك و مكاسبك التي تفرض واجب الحماية و الدفاع عنه و عنها .
اذا ما نجحنا في عكس انطباع حقيقي عن نموذج وحدة وتماسك النسيج الاردني و هويته الوطنية و فكره العروبي بحيث يظهر أنه كتلة و صخرة صلبة ، ستجد العدوى تمتد إلى باقي الشعوب العربية الأخرى و تكون الجبهة الموحدة اليوم على المستوى السياسي و غدا على مستوى التنسيق العسكري .
لا يمكن الاستهانة بالموقع الجيوسياسي و الدور الاردني المحوري ، الشارع الأردني سيتحرك دعما لقيادته و دفاعا عن وطنه الاردني و عن قضيته المركزية و وجوب بعث رسالة إلى الداخل الفلسطيني بأن ينزرعوا وقوفا و يتشبثوا بزيتونهم و يتمسكوا بجذورهم و أن يصمدوا ليطلوا على القدس مثل نخيلهم.
أما نحن فأننا في الاردن سنكون أصلاب الجبال نتخذ القرارات الصعبة لأجل تجاوز المرحلة الصعبة و نطل من جبال رم و الشراة في معان و الطفيلة والكرك و مادبا إلى أعالي قلعة عجلون و من سهول حوران قمحا شامخا من اربد و ام قيس وقم و قميم و صما و الرمثا جسدا أردنيا ينبض قلبه في عمان و يلبي عسكره من الزرقاء لتحرس عيونه السلط و عارضة غورها وصولا إلى ارض الكرامة نبث رسائل الحدود صعودا الى البلقاء يحرسها الجند عين على عمان و عين على القدس .

مواضيع قد تهمك