الأخبار

“هزة أرضية سياسية”.. طلب العفو عن نتنياهو يفتح معركة أكثر حدّة على وعي الإسرائيليين ويعمّق جراحهم الداخلية

“هزة أرضية سياسية”.. طلب العفو عن نتنياهو يفتح معركة أكثر حدّة على وعي الإسرائيليين ويعمّق جراحهم الداخلية
أخبارنا :  

وديع عواودة :

التقول تسريبات صحافية عبرية إن رئيس إسرائيل يتسحاق هرتسوغ يتجه لـرهن العفو عن رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو بـوقف "الانقلاب القضائي”، وبالتنحي عن رئاسة الوزراء، على أن يتمكن لاحقًا من طرح نفسه مرشحًا لها، فيما قال مقرّبون من الأخير إن اعتزاله السياسة غير وارد.
وعقب تفجر النقاشات وتبادل الاتهامات التي طالت هرتسوغ أيضًا، قال بيان صادر عن ديوانه أمس إنه سيعاين الطلب بجدية ومسؤولية، وإنه لن يتأثر من الضغوط عليه من كل الاتجاهات. واليوم الإثنين، نفى أن يكون قد طرح شروطًا مقابل "العفو”، موضحًا أنه لم يبدأ أصلًا بمعالجة الملف.

يوسي فرطر: مذكرة طلب العفو أقرب لأن تكون محاولة ابتزاز تحت التهديد

بيد أن وسائل إعلام عبرية تنقل، اليوم، عن مقربين منه محجوبِي الهوية قولهم إنه ربما يقترح على نتنياهو العفو مقابل شروط، منها تشكيل لجنة تحقيق رسمية بالحرب، ووقف ما يعرف بـ”الإصلاحات القضائية” والتشريعات الجارية ضد الإعلام.
وكان نتنياهو قد أرسل، أمس، مذكرة شخصية لـهرتسوغ زعم فيها أن العفو عنه يخدم مصلحة عليا للإسرائيليين: يساعد على التئام جراح الانقسامات بين الإسرائيليين، والتفرغ لمواجهة التحديات الأمنية والفرص السياسية الماثلة أمامه، علاوة على عدم تبديد وقت رئيس الحكومة في المحاكم على حساب إدارة شؤون البلاد وغيره، بيد أنه شخصيًا لم يطلب في هذه المذكرة العفو عنه، بل ورد ذلك في مذكرة قدمها محاموه أمس.
ووصفت وسائل الإعلام العبرية طلب العفو عن نتنياهو، دون إبداء أي نوع من الندم أو الاعتذار أو الاعتراف بما فعل، بـ”الهزة الأرضية” السياسية، خاصة أن المحاكمة تشارف على النهاية، بعد ثماني سنوات من بدئها، ويبدو دفاعه فيها غير متماسك، وإفادته المتتالية في المحكمة ضعيفة ومتناقضة، ما يدفع أوساطًا إسرائيلية للتأكيد أن نتنياهو، بهذا الطلب، يرغب بالهرب من الإدانة الخطيرة.
يشار إلى أن نتنياهو، المطلوب دوليًا، والمتهم بالمشاركة في جرائم ضد الإنسانية، متهم في محاكم إسرائيلية بتهم فساد متنوعة، منها تلقي الرشاوى من رجال أعمال هو وزوجته، منها كميات كبيرة من الحلي والشمبانيا الفرنسية والسجائر الكوبية، وكذلك تقديمه رشاوى لوسائل إعلام على شكل تشريعات اقتصادية مفيدة لها، مقابل تغطية إيجابية عنه.
محاولة ابتزاز تحت التهديد

وبخلاف التسويغات الرسمية التي ساقها نتنياهو (76 سنة) لتبرير طلب العفو عنه، وفيها زعم أن ذلك يخدم مصالح عليا، فإنه في الواقع يطمع بتحقيق مآرب خاصة، منها صرف الأنظار عن قضايا أخرى ملتهبة تشغل الإسرائيليين وتحرجه وتنال من شعبيته، مثل إعفاء اليهود الحريديم من الخدمة العسكرية من خلال مشروع قانون سيطرح اليوم في لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، وكذلك المطالبة المتصاعدة بلجنة تحقيق رسمية، وهاتان مسألتان غير مريحتين له ولحزبه، عشية انتخابات عامة باتت وشيكة جدًا.
على خلفية ذلك، حذّرَ وزير الأمن السابق رئيس حزب "يسرائيل بيتنو” أفيغدور ليبرمان الإسرائيليين من أن تنطلي عليهم خدعة نتنياهو، فقال في تصريحات إعلامية: هل تذكرون أن حربًا كانت هنا قبل خمس دقائق؟ وهل تذكرون أن هناك من يسعى الآن لإعفاء الحريديم من تحمل الأعباء؟
وبذلك يعكس ليبرمان موقف المعارضة التي تعارض بصوت عالٍ العفو "المجاني”، وتدعو هرتسوغ لرفضه، إلا بحال وافق نتنياهو على الاعتراف وإبداء الندم واعتزال السياسة، وتذكّر بأن الملفات القضائية ضده متماسكة ولم تنهَر بعكس مزاعمه، وتساءل قادتها تساؤل العارفين: طالما كان نتنياهو يقول مستخِفًا بالتهم الموجهة له: "لن يكون شيء، لأنه لم يكن شيء، ولا يوجد أي شيء”، فلماذا يطلب العفو الآن؟ وبسؤال التوقيت، من غير المستبعد أن نتنياهو، وعلاوة على خوفه من إدانة تبدو مؤكدة وقريبة، يحاول أيضًا استثمار اللطمة التي تعرضت لها المنظومة القضائية الإسرائيلية، بعدما ضُبطت المستشارة القضائية لجيش الاحتلال في عملية كذب وتزوير خطيرة، قبل أسبوعين.
وفي المقابل، يبارك رؤساء الائتلاف الحاكم بوزرائه ونوابه تقديم طلب العفو ويدعون هرتسوغ للاستجابة، لأن محاكمة نتنياهو تؤدي لاستمرار نزيف الانقسامات في صفوف الإسرائيليين.
نقاشات حادة

وتنحاز وسائل الإعلام العبرية، في أغلبيتها الساحقة، لجانب المعارضة، وتعتبر "العفو المجاني” لنتنياهو ضربة قاضية للنظام الديمقراطي. فتقول صحيفة "هآرتس” على سبيل المثال، ضمن افتتاحية بعنوان "لا”، إن طلب العفو "وقح وفظ”.

في مقاله اليوم، يقول محرر الشؤون الحزبية في الصحيفة يوسي فرطر إن مذكرة طلب العفو أقرب لأن تكون محاولة ابتزاز تحت التهديد.

ويضيف فرطر في التحذير من خطورة ما يجري: "إن العفو بالشروط التي يطرحها نتنياهو كرئيس حكومة سيكون ضربة مميتة للمنظومة القضائية ولسلطة القانون، ويبرهن على زعمه التقليدي بأن الدولة العميقة دبّرت ضده ملفات فساد انتقامًا منه”، لافتًا إلى أن طلب العفو يخلو من أي نقطة تعطي هرتسوغ طرف خيط يتمسك به.
وينضم فرطر لمن يزعم أن نتنياهو بطلب العفو يبغي الهرب من الإدانة.
من جهته، يصف المحلل السياسي في "يديعوت أحرونوت” نداف أيال طلب العفو بلغة ساخرة بـ”طبخة الشكشوكة”، منوهًا لخطورة خلط الأوراق والمصالح الخاصة بالعامة. ويعلل أيال تحذيراته من خطورة ما يقوم به نتنياهو: "لا يوجد هنا لا قضاء ولا مسؤولية… بل محاولة التهرب من المواضيع المهمة التي يصعب مواجهتها في الانتخابات القادمة. يحظر على هرتسوغ تمكين نتنياهو من جره لمفاوضات طويلة تنتهي بعفو دون اعتزال”.
في المقابل، يدعو زميله المعلق السياسي أري شافيط للاستجابة لطلب العفو خدمة لمصالح الكل الإسرائيلي. ضمن مقال في ذات الصحيفة، يزعم شافيط أن هذه فرصة لوقف مسألتين تمزقان إسرائيل: إنهاء المحكمة التي تهدد نصف الشعب، وإنهاء الهجمات على القضاء التي تهدد النصف الثاني من الشعب، داعيًا للتصرف بعيدًا عن سلوك القطيع، بل بسلوك وطني، وعدم التفكير بمصطلحات قضائية وقانونية، بل الاهتمام بالناحية الجوهرية.
وهذا ما يدعو له زميلهما في الصحيفة نفسها المعلق السياسي بن درور يميني بقوله إنه "علينا القول نعم هذه المرة”، معللًا ذلك، هو الآخر، بضرورة معالجة جراح الانقسامات الداخلية قبل العفو.

فرطر: العفو بشروط نتنياهو سيكون ضربة مميتة للمنظومة القضائية ولسلطة القانون، ويبرهن على زعمه التقليدي بأن الدولة العميقة دبّرت ضده ملفات فساد

زيت على السجالات الساخنة

بصرف النظر عن دوافع ومآلات طلب العفو وانعكاساته على إسرائيل وعلى نتنياهو في المستقبل، فإن الواضح الآن أن طلب العفو يصب الزيت مجددًا على السجالات التي قسمت الإسرائيليين لمعسكرين متصارعين عشية الحرب، مع الشروع بـ”الانقلاب على النظام السياسي” بتشريعات واسعة طرحها الائتلاف الحاكم في مطلع 2023.
وتزداد حساسية الوضع الراهن في إسرائيل من عوامل أخرى، منها محاولات الحكومة التهرب من لجنة تحقيق رسمية بالحرب، ومن شكوك تتسع ساعة بعد ساعة بأن هرتسوغ نال تشجيعًا ودعم ترشيح نتنياهو قبل خمس سنوات ضمن صفقة شملت توافقًا سريًا على منح العفو إن اقتضت الحاجة يومًا ما.
بيد أن مهمة هرتسوغ تبدو صعبة جدًا ولعبًا بالنار، فالأجواء العامة محتقنة، وهناك قضايا خلافية ساخنة منذ السابع من أكتوبر، كـلجنة التحقيق الرسمية، وإعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية.
ويعبّر عن ذلك كاريكاتير "يديعوت أحرونوت”، اليوم، حيث يبدو هرتسوغ جالسًا داخل ديوانه، فيما تبدو قنبلة يدوية ملقاة نحوه كتب عليها: "العفو”.
ولذا يبدو أن هرتسوغ يقف الآن أمام امتحان صعب، لا سيما أن الإسرائيليين يقارنون بينه وبين والده حاييم هرتسوغ، عندما شغل، هو الآخر، رئاسة إسرائيل في ثمانينيات القرن الماضي، واشترط العفو عن قادة "الشاباك”، بعد الكشف عن فضيحة "الحافلة 300″، إعدام الشابين صبحي وأمجد أبو جامع من غزة ميدانيًا بعد أسرهما، عقب عملية خطف حافلة إسرائيلية لدير البلح عام 1984.
نتنياهو في كل الأحوال سيستفيد من مبادرته، ففي حال عدم العفو عنه سيحاول مجددًا الظهور كضحية ملاحق من قبل "الدولة العميقة” و”النخب القديمة” وانتقال الإسرائيليين للنقاش حوله، وهذا يخدمه ضمن المعركة المستجدة والمحتدة على وعي الإسرائيليين.

ــ القدس العربي

مواضيع قد تهمك