فراس النعسان : هل يفعلها النشامى؟
ليس الحلم الأردني بكأس العرب ترفاً عاطفياً، ولا نزوة جماهير تبحث عن فرحٍ
عابر. هو امتداد طبيعي لمسار طويل من العمل والصبر، ولحكاية منتخب تعلّم
أن يقاتل بهدوء، وأن يطرق الأبواب الثقيلة بلا ضجيج، حتى فتحت له ملاعب
العالم احتراماً قبل أن تفتح له أبواب التوقعات.
اليوم، يدخل المنتخب
الأردني لكرة القدم مباراة لا تُقاس بنتيجتها وحدها، بل بما تمثله في الوعي
الجمعي للأردنيين. مباراة تُلخّص سنوات من الإصرار، وموسماً عربياً يرى
فيه كثيرون أن الكأس أكبر من طموحنا، فيما نراه نحن أقرب مما يظنون.
الغريب
في قصة النشامى أن بعض الاستكبار لا يأتي من الخصوم بقدر ما يأتي من
الصورة النمطية. كأن على الأردن أن يطلب الإذن ليحلم، أو يبرر رغبته في
منصة التتويج. لكن كرة القدم، حين تُلعب بصدق، لا تعترف بالأحجام الورقية،
بل بما يُترك على العشب من جهد وعرق وانضباط.
هذا المنتخب لم يصل إلى
هنا صدفة. بلغ كأس العالم كأول منتخب عربي في التصفيات الأخيرة، لا بضربة
حظ، بل بسلسلة مباريات أظهرت شخصية واضحة: فريق يعرف متى يهاجم، ومتى يصبر،
ومتى يعضّ على النتيجة بأسنانه. فريق يلعب بروح جماعية نادرة، لا نجم أكبر
من الفكرة، ولا اسم أثقل من القميص.
قوة الأردن الحقيقية لا تكمن فقط
في الأقدام التي تركض، بل في القلوب التي تؤمن. في تلك الروح العالية التي
جعلت النشامى يخرجون من أصعب المباريات أكثر صلابة. في الإحساس العميق بأن
كل كرة مشتركة هي دفاع عن اسم بلد، وكل هدف محتمل هو رسالة بأن هذا المنتخب
لا يطرق الباب، بل يفتحه بكتفه.
أما الجماهير الأردنية، فهي الشريك
الصامت الصاخب في آن. من المدرجات، ومن خلف الشاشات، ومن الشوارع التي
تتحول مساء المباريات إلى خريطة قلوب نابضة. هذه الجماهير لا تطلب
المعجزات، لكنها تمنح لاعبيها ما هو أثمن: الثقة. ثقة تُشعرك وأنت تلعب بأن
ظهرك مسنود، وأنك لا تقاتل وحدك.
الليلة، في مواجهة تحمل ثقل التوقعات
وضجيج الحسابات، سيكون الامتحان الحقيقي لهذا التماسك. مباراة في كأس العرب
لا تعترف بالتاريخ وحده، بل بالحاضر. باللحظة التي تقرر فيها أن تكون
شجاعاً، وأن تلعب لتفوز لا لتجرب.
السؤال الذي يتردد اليوم في كل بيت
أردني ليس إن كنا نستحق الحلم، بل إن كنا سنحوله إلى واقع. وهل يفعلها
المنتخب الأردني ويعود بالكأس إلى عمّان؟ الجواب لا يملكه كاتب مقال، ولا
محلل في استوديو. يملكه أولئك الذين سينزلون إلى الملعب وهم يدركون أن
وراءهم وطناً كاملاً يصدقهم الحلم.
في كرة القدم، هناك لحظات تُصنع
لتُكسر فيها القواعد غير المكتوبة. لحظات تقول فيها للمنطق البارد: ربما
تكون الليلة واحدة من تلك اللحظات التي يعود فيها الأردن بالكأس، لا
ليُفاجئ الآخرين، بل ليذكّرهم فقط بما كان واضحاً منذ البداية: أن هذا
الحلم مشروع، وأن النشامى (قدها وقدود).