بشار جرار : هذا الحسين وهذا الحسن
يذكر من تشرفت بزمالتهم في دنيا
الاغتراب والهجرة في بريطانيا وأمريكا، من الإخوة المغاربة، الأشقاء في
المملكة الغربية، يذكرون تحية موحدة جددتها قبل أيام في «متحف المستقبل»
المبهر في دبي الجميلة. شاب من جيل أبنائي يعمل أو على نحو أدق يستثمر
هناك، سرعان ما أكدت لهجته بالعربية وحتى الإنجليزية أنه من ذلك البلد
الأصيل فسارعت إلى تكرار التحية بالإشارة إلى عينيّ: هذا (مقام) الحسين
وهذا (مقام) الحسن. شرحت له ولأبنائي المعنى المراد والرسالة المباشرة
المختصرة. جملة موجزة بلغة الإشارة تؤكد المؤكد ألا وهي اعتزازنا ومحبتنا
للعرشين الغاليين، أبناء العمومة الهواشم، الراحلين الكبيرين سيدنا الحسين
بن طلال، وأخيه الحسن الثاني، طيب الله ثراهما وكتب مقامهما في عليين.
كما
كان في لقاء الاثنين الفرح فرحين، قبل أن تبدأ المباراة ونعرف إن كنا
سنكسب الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية، أو اليوم الخميس، المملكة
المغربية -وهذا ما نصلي لأجله- فإن المؤكد أن كأس العرب يليق بأداء منتخبنا
الأردني وجماهيرنا الأردنية في الوطن والمهجر، ويليق بالأردن المفدى كأس
العالم أيضا في مونديال 2026. أعلم أنه طموح خارق لكثير من التوقعات لكن لا
سقف للأحلام الكبيرة ما دامت معززة بالعمل والأمل.
قرأت باهتمام وتأملت
معظم ما كتب حول أفراح الأردنيين والعرب بأداء فريقنا الوطني. وقد استلهمت
من إخوتي الكتاب وبعضا من التجارب ذات الصلة خاصة في بلاد العم سام بعض
المقترحات التي قد تكون قيد الإعداد أو التطبيق دون أن أعرف بذلك أنا
وكثيرون من مشجعي النشامى.
من المعروف أن الرياضة و»الساحرة المستديرة»،
الأكثر رواجا والأقرب إلى قلوب الناس، بكل مستوياتها
الاقتصادية-الاجتماعية، وعلى اختلاف اتجاهاتها السياسية والفكرية، هي من
مظاهر وأدوات القوى الناعمة. هذا الحب وهذه الوحدة الوجدانية وهذا الدفق
العاطفي لا بد من توظيفه والعمل على استدامته حتى لا يفتر. فتلك طاقة وطنية
هائلة لا بد من الإسراع في تخزينها وترشيدها وتوظيفها في ميادين عدة.
أهم
تلك الميادين، هو الأردن، الشأن الداخلي أولا، تعزيز الهوية الوطنية ومن
ثم الانتماء الوطني وليس العكس، فالأردن أولا ودائما. المنتخب الأردني جسّد
«روح الفريق» بما نتنماها في كل الحكومات والوزارات والمؤسسات والشركات
وحتى الأحزاب والجمعيات والأندية. ما يقال عن الصورة البصرية ومدى ارتباطها
بالهوية، يوفر فرصا للمبدعين في تصميم الشعارات والمنتجات، وإضفاء
العلامات المميزة الترويجية «براندِنغ»، هي فرصة ثمينة أهم ما فيها
اغتنامها قبل فتورها حتى يتحول ذلك ال «براندِنغ» إلى «ترِند» دائم لا
موسميا. هنا يبرز دور صناع المحتوى والمؤثرين في منصات التواصل الاجتماعي
التي لها السبق والأثر الأعمق في هذه المناسبات، أكثر من وسائل الإعلام
التقليدية.
من المعروف أن أول ما يبحث عنه خبراء الترويج هو البحث عن
النجوم وصناعتها إن لم توجد. بفضل الله، لدينا الآن حشد هائل من النجوم، لا
يقتصر على أبطال المنتخب اللاعبين المحظيين بالشهرة، بل البدلاء والاحتياط
أيضا، وكذلك الجمهور الأردني في الوطن والمهجر، فضلا عن الجمهور العربي،
خاصة من الدول الشقيقة التي لعبنا معها -لا ضدها ولا ضد من وما تمثل- فضلا
عن كلمات وردت على لسان معلقين ومحللين وضيوف في الاستوديوهات المفتوحة
لأكثر من دول شقيقة. ثمة صناعة قائمة بذاتها تقوم على تلك المواد على شكل
إصدارات خاصة كما أحسن وبادر البنك المركزي الأردني، أو إصدارات ذات صبغة
رمزية ريعية، كبطاقات وقمصان وميداليات وساعات وأيقونات إلكترونية سمعية
وبصرية. تلك مواد بالإمكان إنتاجها وتسويقها إلكترونيا فتشكل رافدا ماليا،
والأهم تبث رسائل قد تغني عن مهام دبلوماسية وأكثر من ذلك. بإمكان الرياضة
أن تصلح ما أفسدته السياسة إن حرصنا على إبقائها إنسانية حضارية مع العالم
كله وبلا أي استثناء أو تحفّظ.
فيما يخص العلاقات الثنائية مع الجوار
العربي والقارّي والمحيط الدولي أيضا، أحسن الجمهور والإعلام الرياضي
الواعي في توكيد الأخوة والصداقة، في عالم التنافس الرياضي الشريف، ولعل
مبادرة الحسين قرة عين سيدنا وولي العهد الأمين والأميرة رجوة للاحتفال
بالجماهير الأردنية والسعودية والعربية قبل مباراة الاثنين كانت نِعم
الرسالة والتوجيه الملكي للبناء على تلك الروح الإيجابية البعيدة عن بعض
الأجواء التي يحاول تعكير صفوها شذّاذ الآفاق ذوي الأجندات المكشوفة أو
المندسين من حسابات كاذبة وروبوتات خرقاء.
من الآخر، فرحتنا بفوز تراكمي
أردني في بطولة كأس العرب في قطر بلا خسارة، كان أكبر من الرياضة، كان
ومازال فرحا اعتقاديا لا شعوريا فقط، مفاده أن الفرح كما الإنجاز إنما هو
خيار وقرار، وأن النشامى لديهم رصيد مكنون زاخر، آن الأوان لتفعيله.
لنا
في الصين عبرة، لمّا تنبه القائمون على صنع القرار أهمية منافسة أمريكا
وروسيا السوفيتية ومن بعد الاتحادية، سارعت الجهات المختصة إلى التركيز على
الرياضات الرابحة، وتم إعادة النظر والتوجيه لبناء الرياضي الناجح
والمتميز منذ الصغر، فتم الإعداد لجميع الجوانب ذات الصلة بذلك الإنجاز،
بما فيه غذائيا وتربويا، وكل ما يتصل بالمرافق العامة داخل المدرسة والحارة
والقرية والبلدة والمدينة.
ولا ننسى إبداع الأمريكيين على وجه الخصوص
في عملية التجنيد والاستثمار المبكر، بحيث يتبرع المختصون -متخفين في بعض
الأحيان- ويبادرون انطلاقا من الواجب الرياضي والوطني، بمتابعة لعب ونشاطات
الأطفال في المدارس والأندية، لالتقاط جواهر ثمينة، يتم تبنيها وإعدادها
لذلك اليوم الذي يهدي فيه النجم الرياضي ميدالية أو كأسا ذهبية لبلاده.
ولعل المختصين القائمين على المناهج التربوية والنشاطات اللاصفية والأندية
والإعلام يعيدون النظر في حصة الرياضة المتاحة لفلذات أكبادنا وأحفادنا فهم
نجوم المستقبل وصنّاعه.. ومن باب الاستبشار خيرا، أختم بالمباركة
الاستباقية للنشامى، نجوم وداعمي منتخبنا الأردني بكأس العرب.