المهندس عامر البشير يكتب : من دفء التكافل إلى قبضة البيروقراطية الباردة

حين تخنق البيروقراطية الرحمة، يصبح الكرم أسيرًا للروتين،اشبه ان يطالب الجائع بتصريح قبل أن يفطر، رمضان شهر العطاء لم يعد كما كان؛ إذ تحوّلت الصدقة من فعلٍ تلقائي إلى معاملةٍ رسمية، والموائد باتت فارغة بسبب اجراءات التصاريح، والمحتاجون ينتظرون، ليس الطعام بل موافقات ضائعة في اروقة الدوائر
لأجيالٍ طويلة، كان العطاء في رمضان يصل إلى مستحقيه دون حواجز، واليوم أصبح تقديم وجبة إفطار كابوسًا لوجستيًا، المتطوع يُعامل كمشتبه به، والمتبرع يصطدم بتعقيداتٍ لا تنتهي، حتى بات سؤال كيف نساعد الفقراء؟ بل سؤال يفوقه اهمية كيف نشق طريقنا وسط دوامة الإجراءات؟ كيف يُطلب من أسرة جائعة تبرير حاجتها أمام موظف يرى معاناتها "ملفًا للدراسة"
الفقر والبيروقراطية عقوبتان في آن واحد
لم يعد المحتاجون يواجهون الجوع فحسب، بل أصبح موضوعهم ملف في معركة يومية مع التعقيدات الإدارية المرهقة، رمضان الذي كان شهر الكرم والتكافل، تحوّل إلى موسمٍ للصفوف الخفية صفوف التصاريح والموافقات، والإجراءات العقيمة، التي باتت تسبق أي عمل خيري بسيط
حتى فقدان الأحبة لم يعد محطة حزن فحسب، بل أصبح معركةً بيروقراطية، عائلاتٌ تجد نفسها عاجزة عن استلام جثامين ذويها بسبب فواتير مستشفى غير مسددة، فتتحوّل لحظة الوداع الأخيرة إلى مأساة إنسانية ومالية، تتطلب توقيع كمبيالات بدلًا من التعاطف والمساندة
لم يكن الحال هكذا من قبل، في الماضي كانت أمانة عمّان تتكفل بدفن من لا يملك ثمن القبر، أو حتى تسديد فواتير علاج ممن تقطعت بهم السّبل، اليوم تغيّرت المعادلة، وأصبح السؤال الذي يطرح نفسه: كيف وصلنا إلى حالٍ تُصادر فيه حتى الرحمة بقرار إداري؟
الرقابة: أداة تنظيم أم قيد خانق؟
لا أحد يعارض تنظيم العمل الخيري، لكن حين تتحول الرقابة إلى سلاحٍ يجفف العطاء بدلًا من تمكينه، نكون قد ضللنا الطريق، في المجتمعات التي تحترم مواطنيها، يتم تسهيل العمل الخيري ودعم قنواته المتمثّلة بالجمعيات الخيرية، التي هي اقدر على تلمّس حاجات الفئات الاقل حظّاً بينما عندنا يبدو وكأننا نصمم العقبات عمدًا، لماذا يُعامل المتطوع كمجرم حتى تثبت براءته؟ لماذا يتم اجهاض تنمية الموارد المالية للجمعيات أو استقطاب الدعم المالي وهل بيع بطاقات لحفل افطار مدر للدّخل تحتاج لإجراءاتٍ تنافس معاملات الاستيراد والتصدير
صرخة لاولياء الأمر بضروة إصلاح عاجل: حرروا العمل الخيري من البيروقراطية! ومطلوب مساءلة كل من يرقص على جراح المحتاجين
الحل ليس في إلغاء الرقابة، بل في تحويلها من عائق إلى ممكّن مطلوب اصدار التصاريح فورًا بدلًا من أن تضيع في سراديب الإدارات الحكومية
الحل: رقابة ذكية وتمكين إلكتروني
بدلًا من فرض مزيد من القيود، يمكن اعتماد حلولٍ تكنولوجية تضمن الشفافية دون إعاقة العمل الخيري، مثل:
منصات إلكترونية حكومية لتسجيل المبادرات والموافقة عليها سريعا
تسهيل الإجراءات للجهات الموثوقة بمنحها موافقات تلقائية
شراكة بين الجهات الرقابية والقطاع الخيري لجعل الرقابة وسيلة دعم لا عائق
نحو بيئة داعمة للعمل الخيري
رمضان ليس موسمًا لتكديس الملفات، بل موسمٌ للرحمة والتكافل، استمرار تقييد العمل الخيري بالإجراءات المعقدة يهدد التضامن والسّلم المجتمعي، لذا فإن الإصلاح العاجل ضرورة لا رفاهية، المطلوب توازن بين التنظيم والمرونة، لأن الرحمة لا يجب أن تكون مقيدة بالبيروقراطية ولان الرحمة اسم من اسماء الله، ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء