الأخبار

أ. د. ليث كمال نصراوين : مراجعة تعديلات قانون العمل

أ. د. ليث كمال نصراوين : مراجعة تعديلات قانون العمل
أخبارنا :  

يناقش مجلس النواب هذه الأيام مشروع القانون المعدل لقانون العمل لسنة 2024، حيث قام بإقرار عدد من النصوص القانونية المستحدثة التي أثارت ردود فعل متباينة بين أصحاب العمل المرحبين بها، والنقابات العمالية التي ترى أنها مجحفة بحق العامل.

إن قانون العمل يعد من التشريعات الوطنية المهمة ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية؛ فهو يمس شريحة واسعة من الأردنيين الذين يخضعون له باعتبارهم عاملين في الشركات والمؤسسات الخاصة، بالإضافة إلى تأثيره المباشر على الاقتصاد الوطني، وذلك نظرا للدور المأمول من القطاع الخاص في عملية التحديث الاقتصادي.

وعليه، فإن هذه الأهمية القصوى التي ترتبط بهذا القانون تفرض بالضرورة تحري أقصى درجات الموضوعية والحيادية عند مراجعة نصوصه وأحكامه، فلا يتم تقديم مصلحة أي طرف من أطراف عقد العمل على الطرف الآخر. فكل من العامل وصاحب العمل يجب أن يكونا على قدم المساواة أمام القانون، وألا يتم المساس بمراكزهما القانونية بأي شكل من الأشكال.

إن المتابع للسوابق التشريعية في مجال مراجعة القوانين الأردنية يلحظ بأن المشرع الأردني قد حابى أحد طرفي العلاقة التعاقدية على حساب الآخر، ولم يحقق العدالة النسبية المطلوبة في العلاقات القانونية بين الأفراد. ويأتي في مقدمة هذه التشريعات الوطنية التي جرى تعديلها بشكل أخل بمبدأ المساواة بين طرفي العقد قانون المالكين والمستأجرين الذي يجري تطبيقه على السواد الأعظم من أفراد المجتمع.

فبعد أن كان القانون بحلته الأصلية عند صدوره في عام 1994 يصب في مصلحة المستأجر المنتفع من العقار على حساب المالك المؤجر من خلال تفعيل مبدأ الامتداد القانوني لعقد الايجار، جرى تعديل هذا القانون في عام 2000 لصالح المؤجر، الذي أصبحت علاقته بالمستأجر محكومة بمبدأ سلطان الإرادة والشروط الواردة في عقد الإيجار.

إن مبدأ ديمومة عقد الإيجار عدم جواز تخلية المستأجر إلا في حالات محددة أهمها عدم دفع الأجرة المستحقة لثلاث مرات، قد استبدله المشرع الأردني بفكرة تأقيت الإجارة بمدد زمنية محددة يجري الاتفاق عليها عند إبرام العقد. فبعد تاريخ 31/8/2000، أصبحت عقود الإجارة مقيدة بفترات زمنية معينة يخضع المستأجر عند انتهائها لمطالبات المؤجر بزيادة الأجرة السنوية أو عدم تجديد العقد وطلب إخلاء المأجور.

ومثال آخر على القوانين الوطنية الهامة التي لم ينجح المشرع الأردني في توفير حماية متكافئة للأشخاص المخاطبين به، قانون التنفيذ الحالي. فحتى عام 2022 كان القانون يعطي الدائن المحكوم له امتيازات قانونية أكثر في مواجهة المدين المحكوم عليه، أهمها بالتوسع في حالات حبس المدين إذا لم يقم بدفع الدين أو سداد ربع المبلغ المحكوم به.

إلا أنه وبعد تعديل قانون التنفيذ في عام 2022 انقلب الوضع التشريعي رأسا على عقب لصالح حماية المدين على حساب الدائن؛ فقد ضيّق المشرع الأردني من حالات الحبس بشكل كبير وقصرها فقط على الديون التي تزيد قيمتها على خمسة آلاف دينار. وما هي سوى أسابيع قليلة حتى يدخل التعديل الأخير لقانون التنفيذ حيز النفاذ بحيث سيتم إلغاء حبس المدين في الالتزامات التعاقدية كافة، باستثناء عقود إيجار العقار وعقود العمل.

إن هذا الخلل التشريعي في مراجعة كل من قانوني المالكين والمستأجرين والتنفيذ يجب ألا يطال قانون العمل من خلال تقديم مصلحة أي من طرفي عقد العمل على حساب الآخر. فالنص القانوني المستحدث الذي يجيز لصاحب العمل وبإرادته المنفردة إنهاء عقود ما يقارب خمسة بالمائة من حجم العمالة لديه خلال سنة إذا اقضت ظروف العمل الاقتصادية ذلك ودون رقابة مسبقة عليه، يعتبر مظهرا من مظاهر المحاباة التشريعية لصاحب العمل على حساب العاملين لديه.

كما أن الحكم القانوني الجديد المتعلق باعتبار عقد العمل محدد المدة الذي يستمر طرفاه في تنفيذه بعد انقضاء مدته بأنه قد جرى تجديده لمدة مماثلة وإلغاء النص السابق الذي كان يعتبر العقد ذاته قد تم تجديده لمدة غير محددة، يصب في مصلحة صاحب العمل على حساب العامل.

إن صاحب العمل في وضع تعاقدي أقوى منه بالنسبة للعامل؛ فلديه القدرات المادية والامكانيات البشرية الكافية لمتابعة أوضاع العاملين لديه من خلال دائرة شؤون الموظفين في كل شركة أو جهة خاصة. فالأصل أن يقوم موظفو صاحب العمل في هذه الدائرة بعملهم على أكمل وجه، وأن يتتبعوا عقود العمل المبرمة مع الموظفين، بحيث يتم تجديد العقود محددة المدة وفق رغبات صاحب العمل واحتياجاته.

أما أن يغفل صاحب العمل وموظفوه عن تجديد عقود الموظفين لديه، ورغم ذلك يتم اعتبارها مجددة لمدد زمنية مماثلة، فهذا الحكم التشريعي المستحدث فيه انتقاص من حقوق العاملين، وبمثابة المكافأة التي يقدمها القانون المعدل لصاحب العمل عن إهماله في متابعة شؤون الموظفين لديه.

وفيما يخص النص التشريعي الجديد الذي يحظر على صاحب العمل إنهاء خدمات المرأة الحامل، فهو حكم إيجابي، إلا أنه سيثير مشاكل في الواقع العملي تتعلق بمدى معرفة صاحب العمل بواقعة حمل المرأة لغايات تنفيذ هذا القيد، خاصة في الأيام والأسابيع الأولى للحمل.

إن مجلس النواب، ومن بعده الحكماء في مجلس الأعيان، مدعوون اليوم إلى إعادة النظر فيما تم إقراره من تعديلات على قانون العمل، والاستفادة من الدروس التشريعية السابقة في القوانين الهامة الأخرى التي جرى تعديلها بشكل أخل بالأمن الاجتماعي، وفي مقدمتها قانونا التنفيذ والمالكين والمستأجرين.

أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة

laith@lawyer.com

مواضيع قد تهمك