د. احمد بطاح : لماذا «تتغوَّل» إسرائيل على محيطها العربي؟!

يكاد المواطن العربي يُصاب بالحزن حدّ الاكتئاب عندما يسمع «نتنياهو» يطالب بأن تكون منطقة الجنوب السوري (محافظات درعا، والسويداء، والقنيطرة) منزوعة السلاح، بل ويُعلن في صفاقته المعهودة أن إسرائيل لن «تتسامح!» إذا تعرض «الدروز» في سوريا لأيّ أذى من الإدارة الجديدة في دمشق، وقد أتى هذا بالطبع بعد أن أعلنت إسرائيل عدم الاعتراف باتفاقية «فك الاشتباك» الموقعة بينها وبين سوريا عام 1974، بل وبادرت إلى احتلال المنطقة «منزوعة السلاح» وفقاً للاتفاقية، والجزء السوري من جبل الشيخ وبعض المناطق المجاورة، وبما يقارب 11,000?م2!
إنّ هذا الواقع الجديد الذي تفرضه إسرائيل بالقوة العسكرية العارية يطرح السؤال الآتي: لماذا تعربد إسرائيل في المنطقة؟ ولماذا تتغول على محيطها العربي فتُبقي جيشها في خمس مناطق لبنانية رغم قرار وقف إطلاق النار، وتدمر المخيمات الفلسطينية مهجرهً أكثر من 40,000 من سكانها، وتحتل محور فيلادلفيا (صلاح الدين) بين مصر وفلسطين، وتهدد قطاع غزة بمزيد من حرب الإبادة المدمّرة إذا لم تلقِ «حماس» سلاحها، ويخرج قادتها من القطاع؟
إن هذا التغول في تقديري يعود إلى عدة عوامل موضوعية أهمها:
أولاً: «فائض القوة» الذي تتمتع به إسرائيل فترسانتها العسكرية مليئة بالأسلحة الفتاكة (وبالذات سلاح الجو)، والمخازن الأميركية مفتوحة على مصراعيها لتتزود إسرائيل بما تشاء منها، وقد أوضحت الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على غزة أنها مُتخمة بالسلاح، وأنّ ما تطلبه يُستجاب له ليس فقط من الولايات المتحدة بل من الدول الغربية بشكل عام، ومن الجدير بالذكر أن «فائض القوة» هذا يتحكم به الآن اليمين الإسرائيلي الطامع في التوسع على حساب الأرض العربية تحقيقا «لنبوءات» توراتية يؤمن بها.
ثانياً: هشاشة الوضع العربي حيث تتوزع الدول العربية بين دول ملتزمة باتفاقيات سلام مع إسرائيل، وثانية أعضاء فيما سُمي «بالاتفاقيات الإبراهيمية»، وثالثة لا تستطيع عملياً فعل شيء إزاء عربدة إسرائيل في المنطقة، ويضاف إلى ذلك أن إسرائيل نجحت في ضرب المنظمات العربية المسلحة التي تصدت لها (حماس في قطاع غزة، وحزب الله في لبنان، وأنصار الله الحوثيين في اليمن)، بحيث لم تعد هذه المنظمات في الواقع تشكل أيّ خطر حقيقي على إسرائيل في المستقبل المنظور.
ثالثاً: الدعم اللامحدود الذي يقدمه الغرب لإسرائيل، وبخاصه الولايات المتحدة التي تكفلت بحماية إسرائيل عسكرياً، واقتصادياً، وسياسياً، وقد تجلى ذلك بوضوح أثناء إدارة «بايدن»، وقد زاد الأمر وضوحاً في ولاية ترامب الجديدة والتي هددت قطاع غزة بالجحيم حتى قبل أن تبدأ، وما إن بدأت حتى اقترحت فكرة جهنمية تنطوي على جريمة حرب حقيقية وهي «تهجير» الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأردن ومصر بغير أيّ اهتمام بمصير شعب قوامه أكثر من مليونين نسمة تعرض لإبادة جماعية حقيقية رأت بوادرها «محكمة العدل الدولية» وما زالت تحقّق فيها.
رابعاً: الوضع الإقليمي الذي يطلق يد إسرائيل واقعياً لتفعل ما تشاء في محيطها، فإيران تعرضت لضربة كبيرة بعد تراجع قوة «حزب الله» في لبنان ودفعه إلى شمال الليطاني، وبعد سقوط النظام السوري (نظام بشار الأسد) الذي كان يؤمّن لها طريقاً استراتيجياً إلى لبنان والبحر الأبيض المتوسط، أما تركيا فهي غير قادرة فعلياً على التدخل ضد إسرائيل حتى لو رغبت في ذلك، فضلاً عن أن تركيزها ينصب على تحييد خطر المنظمات الكردية (وبالذات شمال شرق سوريا على أمنها الوطني).
خامساً: استمرار تحكم الولايات المتحدة في «النظام العالمي»، كقُطب مهيمن، إذْ برغم بروز أقطاب جديدة واعدة (روسيا، الصين، الهند،...) إلا أن العالم ما زال يعيش حالة اختلال «وعدم توازن» بسبب الهيمنة الأميركية على الشأن العالمي، الأمر الذي تستفيد منه إسرائيل بحكم تحالفها مع الولايات المتحدة، ولا يستفيد منه العرب الذين لا يجدون قوى عالمية تستطيع أن توازن النفوذ الأميركي وتقدم لهم الدعم الكافي لمواجهته. هل معنى ذلك أن العرب لا يستطيعون إلا الاستسلام لقدرهم؟ بالطبع لا، فالعرب يملكون أوراقاً عديدة «لردع» إسرائيل إذا?توفرت لديهم «إرادة الفعل»، ولعل أهم هذه الأوراق:
أولاً: التهديد بإعادة النظر في اتفاقيات السلام المعقودة مع إسرائيل إذا أصرت على عدوانها، واستباحتها للأمن القومي العربي.
ثانياً: تعليق اتفاقيات «ابراهام» التطبيعية مع إسرائيل، والامتناع عن أي خطوات تطبيعية مستقبلية معها وبالذات من المملكة العربية السعودية ذات الثقل العربي والإسلامي.
ثالثاً: تمتين العلاقات مع القوى المناوئة للنفوذ الأميركي وبالذات مع روسيا (القادرة على الدعم العسكري)، والصين (القادرة على الدعم الاقتصادي) وبما يخلق توازناً ولو نسبياً مع النفوذ الأمريكي.
رابعاً: دعم وتمكين الشعب الفلسطيني بكل ما يلزم فهو الموجود في «عين العاصفة»، وقضيته هي القضية المركزية التي تدور حولها إسرائيل وتحاول تصفيتها، وتحييد كل من ينتصر لها، وغني عن القول أنّ هذا يشمل دعم المقاومة الفلسطينية بكافة أشكالها وتجلياتها.
إنّ الأمن القومي العربي على المحك، ولن يرحم التاريخ أحداً إذا استطاعت إسرائيل امتهان وإذلال أمة بحجم الأمة العربية وتاريخها.