صالح الراشد يكتب : رياح التغيير تنحت الأوثان .. ومطر يسقى حبة فتنبت وطناً
صالح الراشد
صخور صماء وصحاري قاحلة لا أثر للحياة فيها، تبحث عن الماء لترطب الصخور جلدها ولتتبرد رمال الصحراء من حرها، صخور تشعر أنها الأعظم في الوجود وأنها غير قابلة للتحطيم، ومثلها الأصنام التي صُنِعت من قسوتها لتسود على الأرض بتقرب الجهلاء منها، رغم أنها أصنام لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم ولا تحقق لهم أمنا ولا حُلما ولا تحقق لهم غاية، ورياح تسير بكبرياء تحمل المياة فتصنع الخير بري الصحراء والصخور تارة، وتُثير الغبار وتقتلع الأشجار وتحطم البيوت وتصنع المصائب بأعاصير تسحق مدن وتحولها لخراب تارة أخرى، فتشعر الريح بحريتها فتسافر لجميع الدول دون تأشيرة ولا تقف في طوابير التحقيق فتحمل أمل الحرية لأصحاب النفوس الزكية.
قوتان في الطبيعة مختلفتان في الفعل ورد الفعل، فالريح متحركة والصخر ثابت فيصد الصخر الريح بصلابته وتنحت الرياح وجه الصخر بديمومتها، ويتبادلان النصر بينهما فيهنىء كل منهما الاخر على انتصاره المؤقت ويتواعدان في مواجهة جديدة، وعلى حين غفلة منهما تحمل الرياح بذرة خير تُسقى بحبات المطر فتدب فيها الحياة فتنبت لها جذور تخترق الصخر وتتمسك بفرصتها في الحياة، تتألم ويذوب جزء منها وهي تصارع صعوبات الحياة لأجل الحياة، فتبكي ألماً وفرحاً كلما انغرست جذورها في الصخر وارتقت أغصانها صوب السماء، متحدية الصخر والرياح الذي يحاول العبث بأوراقها وأغصانها فيخطف ورقة ويقتل غصناً فيما الجذور ثابتة تخترق الصخر لتزداد تماسكا وصلابة.
صراع الحياة بين الجمادات والأحياء مستمر والأصل أن ينتصر الأحياء لقدرتهم على التكيف مع صعوبات الحياة، قبل أن يصنعوا الثورات على واقع الألم بمسيرتهم صوب هيبة الحُلم، فالشجرة الممتدة في ظلمات الصخور تكبر وتتعملق وترسل أغصانها في الفضاء وتفتت جذورها الصخر ليصبح تراباً يذروه الرياح أو أرض خصبة لغراس جديد، يملك هذا الغراس الحلم الكبير بتدمير من يعتقد أنه الأعظم في عالم العبودية والوثنية الجديدة، لتصنع الغراس طريق الأمل بفتح جديد على طريق قديم، ويهتفون جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا، وما أكثر الباطل في بيت الأصنام وما أكثر عُبادها الذين يعبدونها على حرف.
هكذا هي الدنيا لا عظيم فيها إلا الله، وكل من إدعى العظمة مات واندثر ولم تبقى إلا سيرتهم التي يقرأها الناس بحسابات مختلفة، فمات من امتلكوا الارض جميعا من ذو القرنين ونبي الله سليمان بخيرهما وحُسن سيرتهما وتواضعهما لرب العباد، ونبوخذ بختنصر والنمرود بشرهما وإجرامهما وتجبرهما على البشر وتكبرهما عن عبادة الله، وخلفهم الكثير ممن سعوا لامتلاك الأرض فسقط كثيرهم في بداية الطريق ووسطها ولم يصل أي منها لجزء قريب من نهايتها، وهذا حال الكون حتى نهاية الساعة حيث يعتقد بعض الأصنام أنهم ألهة أو ملائكة ثم تأتي بذرة خيرة فتهلكهم ورياح عاتية تدمر ما كان يعرشون، ويؤول حكمهم لغيرهم فيبكون كالنساء ملكاً لم يحافظوا عليه كالرجال، وما أكثر حكم النساء في عالم يكثر فيه البؤساء.
آخر الكلام:
شكراً لملهمتي في الصخر ورجاء الماء والريح التي جالت في عقلي فعصفت به وحطمت قيوده لتمطر هذه الكلمات.