فارس الحباشة : شركات البورصة والتداول المالي، قبل أن تقع الفأس بالرأس

المتورطون في قضايا البورصات و»التعزيم» التي انتشرت في جنوب الأردن، ما زالوا في السجن، ولم يمضوا بعد مدة المحكومية القضائية، والصادرة عن محكمة أمن الدولة.
وصَدرت أحكام بسجن متورطين في قضايا البورصة الوهمية بالحبس لمدة 20 عامًا، وتضمين مبالغ مالية تجاوزت عشرات ملايين الدنانير، وتمثل القيمة المالية للمبالغ التي استُولي عليها من المواطنين. وتدخلت محكمة أمن الدولة لحماية مال المواطنين والاقتصاد الوطني.
والأردن دولة عدل وقانون. والتعامل مع قضايا الفساد القديم والوليد والمستجد، يُنبه إليه الإعلام والرأي العام.
ومعنى ذلك، أن عين الدولة اليوم ليست غافلة عن الفساد المستجد والوليد. واليوم، يُروَّج في الأردن لنوع جديد من التداول المالي وشركات البورصة العالمية، وتنتشر إعلاناتها ومنشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويتسلل إلى ثقافة الأردنيين مفهوم «الربح السريع» وجني المال بكبسة زر، وأن أبواب الغنى والنجاح تقف وراء شاشة، ودون جهد أو تعب، ودون وقت.
إعلانات مغرية وخاطفة، وكالحلم ورمشة العين، وغالبًا ما تمتد بإعلان مشرق ومضيء على شاشة صغيرة وفيديو قصير، ويعدك أن تصبح مليونيرًا وثريًا في أيام وأسابيع، لا شهور وأعوامًا. في فضيحة البورصات الوهمية ما بعد عام 2000، ومن رهنوا ذهب ومجوهرات زوجاتهم وأخواتهم، ووضعوا «تحويشة العمر» بين أيدي شركات وهمية غير مرخصة.
اليوم، تتكرر أوهامهم بالذات، بالخديعة والمصيدة، ويقعون ضحايا لشركات بورصة عالمية. ولكن، بأدوات وأساليب وطرق إعلان وترويج عصرية.
وتبدأ القصة بمتابعة خبير على «السوشيال ميديا» يظهر على صفحات شركات بورصة وتداول مالي، ويلبس ملابس أنيقة، ويتحدث بلغة ممزوجة بين العربي والإنجليزي «المشوَّهين»، ويُروّج لجني المال والربح السريع كما لم يُفعل من قبل.
وخلف هذا السحر الرقمي، وسحر الشاشات، تقع الخديعة الكبرى وصناعة الوهم وبيع الأحلام، ومن لا يملكون القناعة والصبر، فسرعان ما يقعون ضحايا لشركات متوحشة ومفترسة.
من منح هذا الشخص، الذي يبيع الوهم والعاطفة والخداع، لقب محلل مالي؟ وهو يجهل في أبسط أبجديات الاقتصاد وعلوم البورصة والتحليل المالي؟ وذكروني بقصص الباحثين عن الآثار والذهب، والاستعانة بمشعوذين وسحرة من المغرب والسودان.
خلف منصات التداول يقف خطاب وصورة متقنة في صناعة الأوهام ومغازلة الأطماع، ويُغري الطامعين والطامحين بصور فارهة لفلل وقصور، ومراكب ويخوت بحرية، وطائرات خاصة، وسفر وترحال، وسيارات فارهة، ونساء جميلات، صور مليئة بالثقة، وخالية من الحقيقة.
والمضحك، أن خبير التداول المالي العبقري وبائع الأحلام والأوهام، يخرج من باب الشركة، لا يملك سيارة، ويبحث عن تاكسي أو سرفيس ليصل إلى البيت أو يكمل مشواره إلى مكان آخر، وهاتفه يرن ويفصل، وغير مشحون، واشتراكه منتهٍ، ويشبك إنترنت على الشبكات المجانية المتوفرة في الشارع والمقاهي والمكاتب.
هذا لا علاقة له بالاستثمار، بل هو مشروع تجاري وثقافي يستهدف فاقدي اليقين، والواهمين، والمؤمنين بالثراء والربح السريع في زمن معقد وصعب، وزمن المستحيلات الكبرى.
كبسة زر، وأرباح مليونية، ولعب ومغامرة لشركات في أموال مواطنين مسكونين بالوهم واللايقين، وشركات بلا وثائق ولا أوراق رسمية، ولا بيانات مالية مدققة، ولا شفافية في التداول، وإن كانت مرخصة، فليس ذلك كافيًا ولا ضامنًا لحماية أموال المتداولين. وهي مجرد مسرحية استعراضية، عنوانها أرقام، وجوهرها خدعة وتضليل، والأبطال هم ضحايا جدد في وحل ومستنقع البورصات والتداول المالي، وأبطال جدد متورطون في خداع وإيهام وتضليل المواطنين.
السؤال الأهم: أين الإفتاء ورجال الشرع من معاملات التداول وشركات البورصة؟ وقد أجمعت مرجعيات فقهية على تحريمه، لما يطال الناس من ظلم وضرر.
واقتصاديًا، فإنه ضرر على الاقتصاد الوطني. فماذا تصنع المنصات الرقمية للتداول إنتاجًا وتنمية اقتصادية؟ بل إنها تستنزف الشركات والاقتصادات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، وتحول المواطنين إلى ضحايا؟!
يقع على عاتق الدولة مسؤولية كبرى، وإن قبل أن تقع الفأس بالرأس. ويجب أن تُشرعن وتراقب شركات التداول المالي والبورصات. وعلى الإعلام أن يكف عن الترويج لحملات شركات مشبوهة، ولمن يبيعون الوهم.
وخصوصًا، الشركات التي تلصق اسمها برعاية ودعم نشاطات إنسانية.