الأخبار

احمد سلامة يكتب : العروبي .. محمد اختار توقيت ارتحاله

احمد سلامة يكتب : العروبي .. محمد اختار توقيت ارتحاله
أخبارنا :  

لاقيته في مطار الجزائر ذات عبث (سياسي فلسطيني) بميلاد الدولة الفلسطينية ذات المواصفات الامريكية في مطار (بومدين بالجزائر) كان هذا المطار قد شهد قصة كتبتها قبل ذلك وقعت سنة ١٩٨٣م حين وافيت مطار بومدين اول مرة في حياتي، وكان امامي على الدور العم الرزين الغالي الاستاذ حسن التل..

سأله الضابط الذي يجلس من وراء شباك الدنيا ويظن انه يعز من يشاء ويذل من يشاء ويفوته دوما ان تلك هي صفات للخالق حصريا..

سأله.. استاذ حسن انت اردني اردني، ام اردني فلسطيني!؟ فأجاب (الختيار الاسلامي الوقور رحمه الله ردا على هذا الاستفزاز برفضه قائلا: لا انا فلسطيني، فاحال العم ابو بلال الى قاعة انتظار، وفهمت الدرس من بعده

وحين سألني ذات السؤال، قلت له (اردني اردني) فختم الجواز في الحال وسلمني اياه ومضيت.. لكنني بقيت على انتظار حتى فرغ الختيار من التشييك على الفلسطينيين الداخلين الى الجزلئر بواسطة مكتب منظمة التحرير الفلسطينية..

داعبت العم ابو بلال حين ركبنا السيارة هل كان ضروري عمي الحبيب تخلينا ننتظر ساعة.. افرج عن ربع ابتسامة وقال رحمه الله: هذا ثمن حبنا لكم لازم ندفعه دوما.

واكمل محمد الخطايبة رسالة حسن التل بدفء ورقة ومحبة..

كان عبدالله العتوم مندوب وكالة الانباء في احتفال زمرة اوسلو لاحقا برفع البلالين في قصر الصنوبر احتفاء بدولة طائرة لفلسطين في سماء شمال افريقيا، وعزز الوفد معالي العم الدكتور هاني الخصاونة اخر لحظة بزميل اخر هو (محمد الخطايبة) اصبح (المرحوم الان) على رأي زيد الحموري الذي قال لي امس (صرنا نقول المرحوم) وبكى!!

كنا من الراي (باسم) و(انا) و(ورانيا عطالله ونجوى النجار) من الجوردان تايمز.. وظلل الرحلة الصحفية بوقار استاذيته العم المجيد (ابراهيم سكجها)..

لم اكن انا ولا باسم على معرفة ذلك اليوم بمرحومنا الغالي محمد، وعبدالله لم يكن يظهر ودا له ايضا.. هو وحده كان على علاقة مع العم ابو باسم ولم نكن نعرف سر تلك العلاقة البعيدة الجذور بينهما حتى اجلاها لنا بعد سنوات (محمد) نفسه!!

في الاسفار حين يكون الناس جماعة متحابة تتداخل الاوقات ويصير الليل نهارا بالسمر.. على ما اتذكر اننا كنا ربما في غرفة عبدالله العتوم في فندق المنار وبانضمام المرحوم الزميل بدر عبد الحق للمجموعة.. شرع محمد الخطايبة بعد ان استولى على الجلسة لعرض قصة (عبد القادر / زمال).. كانت سرديته الشعبية قد دلتنا جميعا على (حكاء) يفوقنا جميعا، ويتوفر على رواية شعبية، يلتذ لها ابناء المدن لغرابتها، وتسحر ابناء الريف لانها تمنحهم فرصة الاسترجاع لخصوصية بلداتهم ايضا..

لقد ولد بالانضمام صديق حميم دافئ لمجموعتنا الضيقة (سمير، عبدالله، وباسم، ومحمد طبعا والراوي انا للقصة) كان اسم هذه المحموعة في عين الثمانينات (المكتب السياسي) ويعود هذا الاسم الى الناقد التهكمي الفذ عبد الله حمدان رحمه الله حين سأل بحضور المرحوم عوني بدر محمد الخطايبة مين مرشح النقيب تبعكم، فأجابه ابو عامر بصورة استعلائية تخلو من التفاعل (لسا خيو ما اجتمعنا ولا قررنا)، فاطلق ابو مروان ضحكة مدوية واضاف الله اكبر يا محمد شو انت كاينين مكتب سياسي) وراحت اسما لنا !!!

محمد بسيط كعشاء للفقراء ووعيه لم يكن ايديولوجيا، لكن فطرته دوما كانت ترفض التأزيم والتقسيم، ويعاف الظلم والتجبر، ويتوفر على كرم بشهامة لم تتحقق لاحدنا كلنا..

كانت الرحلة مع محمد من مطار بومدين حين خلدابو باسم دمعتيه في مقال ذاع صيته على طول الوطن الاردني وقتذاك، حتى جلست اقرأ على رأسه في مثواه بجوار والديه في زمال امس، رحلة باهية حميمة فيها من صادق الاخوة والنبل ما لا يستلذ به الذي يقرا كما الذي عايشه، دوما اختلفنا محمد وانا كان يعيب علي الاندفاع (للوطنية الاردنية) وانا كنت ازجره في التطرف بفلسطينيته.. وعلى الحافتين
نشأت بيننا اخوة بمروءة كنت اطيعه حين يطلب مثل (عامر) وكان يذعن لي حين اغضب كانه (عمر سلامة)..

وظل هو واسطة العقد بيننا !!

هل اقول ان صلتي الاخوية به قد توطدت في ظروف المرض الذي داهمه قبل قرابة السنة الزائلة، اكثر من اي شقيقين في الحياة ؟!
لو بدت تلك مبالغة غير مستساغة فقد اقبل رفضها من القاريء لانه لم يعش حلاوة الاخوة الطاهرة!!

محمد قرر ان يسجل جرأته على المرض وتماديه لرفض الفرائض الدنيوية حين ركب سيارته من مركز الحسين للسرطان هذا الصرح الذي نباهي به الكون كله ليشارك بانتخابات نقابة الصحفيين !!

محمد الخطايبة … رجل وطني حتى دير ابو سعيد وعربي حقيقي حتى الاندلس وله اضاءات واقتحامات ومرجلة يصعب تخليدها في مقال

حين تلفت وانا انتهي من الترحم والدعاء له نبهني امس رفيق الحب والترحال (الفهد ابو العون) الى ان زيد الحموري يقف على مصطبة المقبرة من علو ويرمقك والقبر.. تلفت الى زيد الحموري واضعا كمامته وبكينا!! ولقد تخطى بالتحدي كل شيء وهو في العزل الطبي
ليقف على لحظة ان يوارى محمد في مثواه ودون ان يسلم على احد لان ذلك يقع في باب المحذور طبيا، ترك دمعته ودعاءه وقفل راجعا لدبين..

تعثرت بدموع زياد الخصاونة وانا اغادر موكب الجنازة المهيب صوب المقبرة قال مخنوقا وانا اعزيه (راح محمد يا بو رفعت) وانفجر باكيا.. وعلى حواف المضافة او ديوانية الخطايبة، رأيته مبتسما راضيا.. فلقد تحلق من حوله كوكبة الحب الاخوي من فخري حتى يونس
ولقد جلل المكان المهيب بكرمه وحزنه راتب الخال الغالي رفيق الدرب وظل ابو راكان يهذي (مع مين بدي اسهر ؟!)

محمد قصة اردنية تستحق ان تقرا ممن يصيبهم الرمد في التحولات الكبرى فمحمد ابن لواء الكورة من زمال شريكة حياته شركسية من شراكسة عمان اطال الله في عمرها وابنه عامر عبقري الكمبيوتر زوجته مغربية وهو قد صار كنديا ربما وبكره الغالية (اريج حفظها الله وذريتها) زوجها من غربي النهر لم اجد وصفا لا يثير حساسية احد اكثر من هذا التعريف (الغربي والشرقي)..

اقول لهوءلاء التازيميين الحمقى الذين لا يفكرون الا بمصلحتهم الشخصية كيف من الممكن تمزيق هذا النشيد، وتفكيك هذا النسيج

انا لا اتحدث عن فولكلور بل اقول ذلك في باب وصف الحقائق!!

استعجل فزوج عامر ورتب جنازته ووزع صدقاته وكنت اوي اليه ليليا تقريبا في معية الختيار الجليل الذي هده الحدث بالفراق فتوقف عن التعليق على اي شيء كان عبدالله العتوم اكثرنا حزنا واقلنا كلاما واصدقنا دمعا..

مات محمد الخطايبة يرحمه الله..

هل قلت لكم انني حسدته في اختيار هذا التوقيت للرواح من هذه الحياة الدنيا؟!

يا اخي (بضم الهمزة) يا اباعامر اخترت دفء ذرات التراب في الاردن في لحظة من التاريخ صعبة ثمة انقضاض على اسم شارع من دون مبرر عقلاني وثمة هجوم قاس بضراوة يهب علينا من بعيد خارج الحدود ولفحة من استباحة مجنونة من (ابناء الميتة) هكذا وصفهم كان في تراثنا بقيادة نتنياهو يذبح كما يشاء ويطعم من يشاء ويقهر بالجوع ممن يشاء وعلى مسمع من امة تمتد من نداء الله اكبر حتى الاستكانة بالالتماس (ولا حول ولا قوة الا بالله)

نم يا حبيب الروح قرير العين وارجو الله ان يتجاوز الوطن كل ما ومن يتربص به ليجعل ترابه باردا على امواته وبظل دفئه يظللنا والله اسال
ان تظل ذرات تراب قبرك التي لامستها امس ناعمة نضرة اساله تعالى ان تظل دافئة واسأله ان تظل لنا كما هي عزيزة ووديعة في امان

وطني حيث قبر ابي كنت تنادي والدتك يرحمها الله طوال فترة مرضك وها قد استجابت فامك اولى بك لانها لن تزعجك بقرارات ساذجة كما نحن هنا..

كم احب ان اكون معك يا رفيق الدرب فمثلك رفقته في الموت خير من معايشة اناس احياء

طاب قبرك بكل رحمة الله كم ساشتاق اليك

مواضيع قد تهمك