الأخبار

د. عدلي فندح : لو امتلك ترامب بنكًا!

د. عدلي فندح : لو امتلك ترامب بنكًا!
أخبارنا :  

في عالم تتقاطع فيه السياسة مع المال، والقرارات الاقتصادية مع المصالح الشخصية، يُطرح سؤال مثير للجدل: ماذا لو امتلك الرئيس دونالد ترامب بنكًا خلال ولايته الجديدة التي بدأت في 20 يناير 2025؟ هل ستنضبط تصريحاته المتكررة بشأن خفض أسعار الفائدة؟ أم أن امتلاكه لبنك سيمنحه نفوذًا إضافيًا لتوجيه السياسات النقدية بما يخدم مصالحه؟
سنحاول تقديم تحليل متوازن يوضح كيف يمكن لامتلاك ترامب بنكًا أن يؤثر في سلوكه السياسي، وقراراته الاقتصادية، وأرباحه الشخصية، مع استعراض الآثار المحتملة على الاحتياطي الفيدرالي، ووزارة الخزانة الأميركية، والقطاعات الحيوية في الاقتصاد الأميركي.
نعلم أن ترامب رجل أعمال، وفي الوقت نفسه رئيسٌ للولايات المتحدة الأميركية؛ فهل في ذلك تضارب في الأدوار، أم توظيف للمصالح؟
يُعرف ترامب بميله إلى توظيف أدوات الدولة لخدمة رؤيته الاقتصادية، وقد مارس ضغوطًا متكررة على الاحتياطي الفيدرالي خلال ولايته الأولى (2017–2020)، مطالبًا بخفض أسعار الفائدة، رغم أن المؤشرات الاقتصادية آنذاك – من نمو جيد، وتضخم معتدل، وبطالة منخفضة – لم تكن تبرر ذلك التوجه.
ولو أصبح ترامب مالكًا لبنك، فإن السؤال يزداد تعقيدًا: هل سيراعي حينها دور البنك كمؤسسة ربحية تستفيد من ارتفاع أسعار الفائدة؟ أم أنه سيستمر في مطالبة الفيدرالي بخفضها؟
الإجابة ليست سهلة، لكن التحليل يشير إلى أن دوافعه السياسية والشخصية ستبقى هي الأقوى تأثيرًا.
من الناحية الفنية، فإن ارتفاع أسعار الفائدة يمكن أن يعزز أرباح البنوك، نتيجة اتساع هامش الربح بين الفوائد على القروض وتلك المدفوعة على الودائع. كذلك، ارتفاع الفائدة يُتيح للبنوك تسعير المخاطر بشكل أفضل، خصوصًا في القروض طويلة الأجل. لذا، من الناحية المحاسبية، فإن ارتفاع أسعار الفائدة يمكن أن يكون مفيدًا للبنك، طالما أن الاقتصاد لا يدخل في ركود، ولا ترتفع معدلات التعثر بشكل حاد. وبالتالي، قد يستفيد «بنك ترامب» – نظريًا – من الفائدة المرتفعة.
لكن ترامب ليس مصرفيًا تقليديًا. فهو يعتمد بشكل كبير على التمويل العقاري والقروض طويلة الأجل لمراكمة الأصول وتنمية إمبراطوريته العقارية. وفي هذه الحالة، تخدم الفائدة المنخفضة مصالحه التجارية أكثر من ارتفاع أرباح مصرفه المفترض.
بمعنى آخر، ترامب سيربح أكثر من فائدة منخفضة تُقلّل كلفة تمويله، حتى لو قلّت أرباح البنك المملوك له.
عندما يضغط رئيس يمتلك بنكًا لخفض الفائدة، فهو لا يفعل ذلك فقط لتقليل كلفة تمويل مشاريعه، بل أيضًا لتقليل الفائدة على الدين العام الأميركي، وبالتالي تحسين صورة العجز أمام الرأي العام.
لكن هذا التوجه قصير النظر قد يُضعف قدرة الخزينة على جذب المستثمرين لشراء سنداتها، خاصة في بيئة تضخم مرتفع أو ثقة منخفضة، ما قد يرفع كلفة الاقتراض في المدى المتوسط والبعيد.
من أخطر تبعات امتلاك ترامب لبنك أثناء رئاسته أن ذلك سيُضعف استقلالية الاحتياطي الفيدرالي. فالرئيس، حين يجمع بين السلطة السياسية والملكية المصرفية، قد يُمارس ضغطًا مباشرًا أو غير مباشر لتوجيه السياسة النقدية لصالح مصالحه الشخصية أو الحزبية.
هذا التداخل يهدد مصداقية الفيدرالي، ويقوّض الثقة العالمية بالدولار، ويُضعف أدوات السياسة النقدية في مكافحة التضخم أو تهدئة الاقتصاد عند الحاجة.
أما التأثير على القطاع المصرفي والعقاري، فسيكون مزدوجًا؛ القطاع المصرفي سيجد نفسه في موقف معقّد. من جهة، رئيس الدولة يمتلك بنكًا ويتدخل في السياسات المؤثرة مباشرة على أرباحه. ومن جهة أخرى، تتعرض قواعد المنافسة العادلة والانضباط المالي لتهديدات جدية. أما القطاع العقاري، فقد يستفيد في المدى القصير من انخفاض الفائدة، لكن التدخل السياسي قد يخلق بيئة استثمارية غير مستقرة. فالمستثمرون لا يُحبّذون السياسات التي تخضع لأهواء فردية.
في 29 مايو 2025، عقد الرئيس ترامب اجتماعًا مع رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في البيت الأبيض، وهو اللقاء الأول بينهما في هذه الولاية. خلال الاجتماع، جدّد ترامب مطالبته بخفض أسعار الفائدة، معتبرًا أن المعدلات الحالية تضع الاقتصاد الأميركي في موقف غير تنافسي مقارنة بدول مثل الصين والاتحاد الأوروبي.
من جانبه، أكد باول أن قرارات السياسة النقدية ستستند بالكامل إلى البيانات الاقتصادية والتحليل الموضوعي، بعيدًا عن أي تأثيرات سياسية. وأوضح أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي ملتزم بدعم التوظيف الكامل واستقرار الأسعار، وأنه سيواصل اتخاذ قراراته بناءً على تقييم دقيق للمعلومات الاقتصادية المتاحة.
امتلاك ترامب لبنك أثناء رئاسته سيكون سابقة خطيرة في تاريخ الديمقراطية الأميركية. فرغم ما قد يحققه له من تمويل مباشر وربح محتمل، إلا أن الثمن سيكون باهظًا على مستوى استقلالية المؤسسات، ومصداقية السياسة النقدية، وثقة الأسواق.
في النهاية، المطلوب ليس فقط فصل السلطات، بل فصل المصالح. فالرئاسة ليست شركة، والسياسة النقدية ليست وسيلة للربح الشخصي.
هل سيكون العام 2025 بداية لعصر جديد من التداخل بين السياسة والمال؟ أم أن المؤسسات الأميركية ستنجح في الحفاظ على توازنها رغم كل التحديات؟ الأيام القادمة ستكشف الكثير.

مواضيع قد تهمك