د. احمد الخصاونة : تَواصُل .. منتدى المستقبل بين فكر وليّ العهد وريادة الجامعات

في زمنٍ تتسارع فيه التحولات التقنية، ويشتد فيه التنافس العالمي على امتلاك ناصية الذكاء الاصطناعي، تُبرِز مؤسسة ولي العهد رؤية استثنائية تُعلي من قيمة الإنسان الأردني، وتُراهن على وعي الشباب وطموحاتهم، كما يتجلى ذلك بوضوح في منتدى «تَواصُل»، الذي أضحى حدثًا وطنيًا سنويًا يُعيد تعريف دور الحوار المجتمعي كأداة للتغيير لا للتبرير، وللإصلاح لا للتزيين.
إن «تَواصُل» لا يُمثّل مجرد تظاهرة شبابية أو محطة خطابية عابرة، بل يُجسِّد فلسفة قيادية عميقة يتبنّاها سمو الأمير الحسين بن عبد الله الثاني ولي العهد، الذي يضع الإنسان الأردني، لا سيما الشباب، في قلب معادلة التنمية والتحوّل الوطني. وفي ظل الثورة الصناعية الرابعة، وما تطرحه من تحديات وفرص، ينهض المنتدى كمنصة فكرية وابتكارية، تحتضن طاقات الشباب وتُطلق حوارات جادة بين صناع القرار والنخب الأكاديمية والطلابية، واضعة الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات وريادة الأعمال في صلب النقاش.
ومن هذا المنبر، تتجدد الدعوة إلى تمكين الجامعات الأردنية من تجاوز أدوارها التقليدية، والانخراط الفاعل في بناء منظومة وطنية للابتكار، تربط البحث العلمي بالواقع، وتُؤسّس لجيلٍ قادرٍ على أن يكون فاعلًا لا متفرجًا في مشهد العولمة الرقمية. وبهذا المعنى، فإن «تَواصُل» ليس فقط حوارًا بين الأجيال، بل هو تعاقد وطني جديد، يعيد رسم العلاقة بين الدولة والمجتمع، على قاعدة الثقة، والانتماء، والإبداع، والانفتاح على المستقبل.
«تَواصُل» ليس مجرد منتدى، بل هو عقلٌ مفكّر تنبض به مؤسسة رائدة تستلهم من رؤى سموّ الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، نبراسها في تمكين الشباب، وتفعيل المشاركة المجتمعية، وفتح نوافذ حوار جادّ مع صنّاع القرار. إنه مساحة تتجاوز التحليل إلى المساءلة، وتتخطّى الوصف نحو إعادة تشكيل التحديات، وصياغة قراراتٍ أكثر وعيًا، تستجيب لنبض الوطن.
وحين نحدّق في أفق المستقبل، لا يمكننا أن نفصله عن الذكاء الاصطناعي، الذي لم يعد ترفًا تقنيًا، بل أضحى ضرورةً سيادية، وأداةً لصياغة الغد، وميدان تنافس عالمي. ومن هنا، يطلّ منتدى «تَواصُل» هذا العام بسؤال مفصلي: هل نمتلك الشجاعة لنراجع أنفسنا؟ وأين نحن من تحولات الثورة الصناعية الرابعة، أو بشائر الخامسة التي تبشّر بعصر تتكامل فيه العقول والآلات، في إطار ذكاء اصطناعي متعاون، يرتكز على القيم الإنسانية، والعدالة، والاستدامة؟
إنها ليست مجرد ثورة تكنولوجية، بل تحوّل جذري في بنية الاقتصاد، والمجتمع، والتعليم. وهنا تتعاظم مسؤولية الجامعات، التي لم تعد مجرد ساحات للعلم، بل معامل تصنع الإنسان القادر على قيادة التغيير، ورسم ملامح المرحلة المقبلة.
الجامعات مدعوة لتكون مفاعيل للابتكار، لا مستودعات للمعرفة؛ عليها أن تراجع خططها، وتعيد تصميم برامجها، لتواكب طوفان الذكاء الاصطناعي، وتُخرّج أجيالًا قادرة على قيادة التحول الرقمي في القطاعين العام والخاص. أدركتُ هذا التحدّي باكرًا عندما كنت طالبًا في تسعينيات القرن الماضي، أدرس هندسة الحاسبات والتحكم الآلي، حيث كان لي شرف التتلمذ على يد المهندس نبيل الفيومي (الأستاذ الأكاديمي لاحقا)، الذي غرس فينا مبادئ الربط بين البرمجيات والأنظمة الميكانيكية والإلكترونية، يوم كان ربط الإشارات الضوئية بالحاسوب ضربًا من الابتكار. واليوم، أستعيد تلك الذكريات، وأنا أرى الذكاء الاصطناعي يواصل الرحلة، لكن بأدوات أكثر تطورًا، وتأثيرًا، وتحدّيًا.
منتدى «تَواصُل» 2025، تحت شعار «هل نملك شجاعة المراجعة؟»، لا يكتفي بتشخيص الواقع، بل يُعمّق السؤال، ويكشف جذور الإخفاق، ويبني جسور الثقة، ويفتح الباب واسعًا أمام الشباب للتفكير بصوت مرتفع داخل فضاءٍ حواريٍّ جريء وشفاف. في هذا السياق، يتجلى دور المنتدى كمنصة لإعادة وصل ما انقطع بين المجتمع ومؤسسات الدولة، وبين المعرفة والفعل، وبين الأمل والسياسة. وقد عبّر سموّ ولي العهد، في كلمته الملهمة خلال المنتدى، عن رؤية متقدمة يتجاوز فيها الذكاء الاصطناعي حدود الأداة، ليغدو شريكًا في اتخاذ القرار، وضامنًا للعدالة، وركيزةً لعلاقةٍ جديدة بين الدولة والمواطن. ففي هذا التصوّر، تصبح المواطنة أكثر ذكاءً، والتعليم أكثر تخصيصًا، والرعاية الصحية أكثر قربًا وعدلًا، والحوكمة أكثر استنادًا إلى البيانات والمعرفة.
وهنا، تتجدد الدعوة إلى الجامعات الأردنية: أن تنهض بدورها كاملاً، لا فقط كحاضنات تعليم، بل كمختبرات لصناعة المستقبل، وركائز للثورة الصناعية الخامسة.
رؤية سمو الأمير الحسين تُعيد الاعتبار للإنسان الأردني، بوصفه جوهر الثروة، ومحور النهضة. ومنتدى «تَواصُل» هو التعبير المؤسساتي لتلك الرؤية النبيلة، فيما يقع على الجامعات عبء التحوّل إلى مصانع للقدرات، ومرافئ للابتكار، وجسور نحو أردنٍّ جديد: أردنّ الذكاء، والريادة، والانفتاح، والحوار المستنير.