الأخبار

د . خالد خلف الدروع : نقد بحجم الوطن: حين يتكلم المواطن تصغي الدولة

د . خالد خلف الدروع : نقد بحجم الوطن: حين يتكلم المواطن تصغي الدولة
أخبارنا :  

الدكتور خالد خلف الدروع :

في زمن تتسارع فيه الأحداث، وتتعدد فيه المنصات التي توصل الصوت قبل أن يُسمع وتعرض الرأي قبل أن يُفهم، يصبح من الضروري إعادة تعريف العلاقة بين المواطن والدولة، ليس على أساس السلطة والطاعة، بل على قاعدة الشراكة والتكامل. لا سيما في السياق الاردني، كثيرًا ما نسمع الحديث عن حرية الرأي كحق دستوري أصيل، لكن القليل منّا يتوقف أمام سؤال جوهري: متى يتحوّل هذا الحق إلى واجب؟ ومتى يصبح النقد الذي نوجهه للسياسات أو القرارات العامة عملاً وطنياً يُقصد به الإصلاح لا الهدم؟ في بلد يكفل فيه الدستور حرية الرأي والتعبير، يبقى النقد أحد أهم أدوات الاصلاح والتطوير، اذا ما مورس بوعي ومسؤولية، فالمواطن لا يكون خصما لدولته حين يشير الى الخلل، بل شريكا حقيقيا في تصويبه، والدولة القوية هي التي تصغي الى النقد باعتباره طاقة اصلاح لا تهديدًا.
وفي الدستور الأردني، كما في كثير من دساتير العالم الحر، تُصنَّف حرية الرأي والتعبير كحقّ أصيل من حقوق المواطن. لكن، ما لا يُقال كثيرًا هو أن هذا الحق لا يُمارَس فقط للدفاع عن الذات أو التعبير عن الانفعالات، بل يُحمَل أحيانًا كواجب وطني، خاصة عندما يكون الهدف هو النقد البنّاء والسعي للإصلاح.
إن النقد، إذا ما خرج من نوايا خالصة وانطلق من إحساس عميق بالمسؤولية، لا يُعد خروجًا عن الصف، ولا تطاولًا على هيبة الدولة. بل هو في حقيقته أرقى أشكال الانتماء؛ فالمواطن الذي يوجّه ملاحظاته، يعرض بدائل، أو يسلّط الضوء على خلل، هو في جوهره شريك في البناء، لا خصم في المعركة.
الدولة القوية ليست تلك التي تصمّ آذانها عن النقد، بل التي تصغي، وتحلل، وتستفيد. فالصوت الوطني، وإن جاء مغايرًا لما هو رسمي، قد يحمل في طيّاته إشارات إنذار مبكر، أو فرصًا غابت عن صانع القرار في زحمة التفاصيل اليومية.
في الأردن، يمرّ المشهد العام بمرحلة دقيقة، تتطلب إعادة ترميم الثقة بين الناس ومؤسساتهم. وهذا لن يتم ببيانات النفي، ولا بالشعارات العابرة، بل بفتح أبواب الحوار، واحترام رأي المواطن، وتقبّل النقد كأداة إصلاح لا وسيلة تشهير.
حين يتكلم المواطن، فإن ما يقوله يستحق الإصغاء، ليس لأن كل ما يُقال صواب، بل لأن في كل رأي صادق فرصة لفهم أعمق، وفي كل نقد مسؤول فرصة لتحسين الأداء. والإصغاء هنا ليس مجرد فعل استماع، بل تعبير عن احترام متبادل، وإيمان بأن الوطن لا يبنيه صوت واحد، بل حوار متعدد الأصوات.
المعادلة التي تحكم العلاقة بين الدولة والمجتمع يجب أن تقوم على أساس واضح: صوت المواطن قوة تُحسب، لا خطر يُخشَى. النقد ليس خيانة، كما أن الصمت ليس ولاء. حين يعبّر المواطن عن خلل يلمسه، أو يسلّط الضوء على تقصير في أداء مؤسسة، فإنه لا يخرج عن النص الوطني، بل يسهم في تحريره من الجمود، وإعادة كتابته بلغة الواقع. فالدولة التي تحتمل النقد، هي دولة واثقة، تعرف أن صوت المواطن إنما هو مرآتها، وأن احتضانه لا يعني بالضرورة تبنّي كل ما يقول، بل احترام حقه في أن يقول.
ففي النهاية، الوطن الذي يُبنى على الحرية والمسؤولية، هو وطن يصمد، ويتقدم، ويصنع مستقبله بثقة.

مواضيع قد تهمك