بشار جرار : «جاك» يومك!

اعتاد البعض للأسف لغة الوعيد، فيما يتحرّج البعض الآخر للأسف أيضا من الوعد، رغم تفشي ظاهرة الإسراف في صرفه وعودا انتخابية، كما في كثير من الديموقراطيات البرلمانية!
من العبارات الرائجة لدى سريعي الانفعال والاشتعال أحيانا، وعيدهم المنافس وتوعّدهم الخصم والعدوّ بأن يومه آت لا ريب فيه، بمعنى اقتراب حسابه فيقال، «جاي يومك»!
إنما الأيام كلها أيام الله سبحانه، لا نملك من أمرها سوى ما وهبنا إياه جل وعلا من حرية الاختيار والقرار، وبالتالي المسؤولية عن أقوالنا وأفعالنا كما جاء في الذكر الحكيم «وما ظلمناهم، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون».
الأصل في الأمور «تفاءلوا بالخير تجدوه»، وبالتالي الوعد بما هو خير، والعمل حثيثا على تحقيقه، وليس مجرد تمنيه أو توقعه. في الثقافة الأمريكية، ثمة مقولة لدى الإخوة المؤمنين بقوة الإيمان في حياتنا الشخصية والأسرية والمهنية والمجتمعية والوطنية تقول «فيثِتْ تِلْ يو ميكِتْ» بمعنى تمسك بإيمانك فيتحقق إنجازك. الأمر يتطلب الإيمان بالمستقبل حتى نجعله حاضرا. فكما عشنا عقودا، بل قرونا نستحضر الماضي على حساب عيشنا الحاضر بكل متطلبات الوجود فيه، بإمكاننا وربما من واجبنا، استشراف المستقبل وجلبه محفوفا بالمحبة لا مخفورا بالقوة!
وفيما أخط هذه السطور في الثلاثين من مايو، استوقفتني رزنامة المناسبات وأيام التوعية التي تختاره بعناية نخبة مختارة من ذوي البصيرة في مجتمعات عدة. فثمة رزنامة وهي كلمة فارسية، وثمة أجندة وهي لاتينية وتعني «الأشياء الواجب إنجازها». الكلمة المفتاحية المعيارية هنا هي الواجب وليس المنتظر أو المفضل إنجازها!
اليوم يصادف في الرزنامات أجندات متباينة تتراوح بين يوم يتعلق بالتقنية المعلوماتية وآخر بالبطاطا أو البطاطس، مرورا باليوم العالمي «لنسقي ولو وردة واحدة»! في أمريكا يتميز شهر مايو بأنه شهر الورود. فكما في مشرقنا العظيم «مَطرة أو شتوة نيسان تحيي الإنسان» فإن «أمطار إبريل تحيي ورود مايو» في بلاد العم سام!
فأي الأيام نختار سقاية وردة، قلي البطاطا أو زراعتها، أم نركز الأنظار على عالم التراسل عبر الأثير الذي أسس لعالم «الواي فاي» ومن قبل الراديو والتلفزيون؟! الثلاثون من مايو هو «لومِس داي»، تخليدا لذكرى طبيب الأسنان الواشنطوني «مالون لومس» ذلك الدكتور الذي اختص بتسكين آلام اللثة والأسنان وقلعها واقتلاع الأضراس ومنها ما تسمى «ضروس العقل»، لكنه إلى جانب مهنته التي يعتاش من مزاولتها، نظر في الأفق وتفكّر في خلق الله وتدبّر في نواميسه، فنظر وأرسل النظر طويلا متأملا في بروق سماء واشنطن العاصمة ورعودها عام 1886.
يقال في الأذكياء والعباقرة بأنهم «ألمعيون»، لا بمعنى النجومية البراقة الخداعة التي تخطف الأبصار بالفلاشات والصالونات التي تقام من قِبَل متعهدي «أفراح» الدعاية والإعلان، بل بمن تلمع في أذهانهم أفكار تصير أفعالا تُحدِّثُ عنهم من القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا في القرن الواحد والعشرين.
«جاك يومك» يا حياك الله، جاك، فاستبشروا خيرا..