الأخبار

حسام عايش : الاقتصاد الأمريكي.. حوت لا يمكنه العيش بدون مياه التجارة العالمية

حسام عايش : الاقتصاد الأمريكي.. حوت لا يمكنه العيش بدون مياه التجارة العالمية
أخبارنا :  

الرئيس ترامب، وفور تنصيبه رئيسًا، أصدر أوامر تنفيذية وقرارات اقتصادية كثيرة؛ على رأسها فرض رسوم جمركية على المستوردات من الدول الأخرى، مستخدمًا سياسة الصدمة والترويع لترهيب الشركاء التجاريين والشركات الأمريكية في الخارج، ورفع شعار «أميركا أولًا» لطمأنة الشركات ورجال الأعمال والمواطنين في الداخل.
شهر عسل ترامب الاقتصادي لم يدم أكثر من ستة أسابيع؛ إذ شهدت الأسواق المالية الأمريكية تحولًا سريعًا ومفاجئًا، فبينما كانت الآمال معقودة على أن «وول ستريت» ستكون من أكبر الفائزين بسياساته، حلت عليها لعنتها مبكرًا، خصوصًا بعد مضي ترامب بعيدًا في فرض الرسوم الجمركية على أقرب الجيران: كندا والمكسيك، اللتين تربطهما بواشنطن علاقات تجارية تتجاوز 1.8 تريليون دولار، ولهما معها اتفاقية للتجارة الحرة، وهما مصدران للكثير من احتياجات المواطن الأمريكي الغذائية والسكنية، ومن السيارات والبنزين وحتى الكهرباء. أراد ترامب أن يجعل من جارتيه عبرة للآخرين، لكنه تفاجأ بردّهما السريع بفرض رسوم جمركية مماثلة، لا سيما كندا التي ذهبت أبعد من ذلك بفرضها رسومًا على صادراتها الكهربائية إلى الولايات المتحدة، مما دفع ترامب إلى رفع رسومه على المستوردات منها إلى 50%.
عجقة ترامب الجمركية – المعلن منها والمنتظر – أصابت الأسواق الأمريكية بالهلع، الذي عبّر عنه انهيار العاشر من آذار، حيث فقد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 نحو 155 نقطة، كما هبط مؤشر ناسداك بنسبة تقارب 4%، وهو أكبر انخفاض له منذ عام 2022، ليكون إنذارًا مبكرًا من «وول ستريت» والشركات الكبرى بأنهم الخاسرون من السياسات الترامبية، بمن فيهم وزيره إيلون ماسك، إذ تضررت شركة تسلا بشدة، وانخفضت قيمتها السوقية بمقدار 130 مليار دولار في يوم واحد. كما أن تلك السياسات ستؤدي إلى ركود تضخمي، حيث النمو الأقل، والبطالة المرتفعة، والأسعار المتزايدة، وخفض الفائدة محل استفهام.
المخاوف لم تتوقف عند «وول ستريت» فقط، إذ إنه ومع وعود ترامب بجعل أميركا عاصمة للعملات المشفرة، وعقده قمة لهذه العملات، وإعلانه عن إقامة احتياطي منها، فإن أسعارها – ومنها البيتكوين – تراجعت من حوالي 110 آلاف دولار إلى أقل من 79 ألف دولار، مما يعكس تدهور الثقة في الاستثمارات الأخرى التي يروّج لها ترامب، والقلق من التأثيرات السلبية لسياسات فرض الرسوم الجمركية.
لذلك، فإن هبوط «وول ستريت»، وانخفاض سعر البيتكوين، وانتشار المخاوف من ارتفاع التضخم، وتوقف الفدرالي عن خفض الفائدة – حيث سيكون اختبار الاستمرار بهذا التوقف أو عدمه يوم 19 آذار الحالي – والردود الانتقامية القوية من الشركاء التجاريين، كلها عوامل خفضت المعنويات الاقتصادية، ليس فقط في أميركا، بل عالميًا أيضًا.
فالناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، البالغ حوالي 29 تريليون دولار، يشكل ما يزيد عن 25 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، البالغ حوالي 110 تريليونات دولار. كما أن حجم التجارة الأمريكية، الذي يقارب 7 تريليونات دولار – 3 تريليونات دولار صادرات، ونحو 4 تريليونات مستوردات – يشكل نحو 22% من حجم التجارة العالمية، البالغ نحو 32 تريليون دولار، مما يجعل أميركا القوة الاقتصادية العالمية الأكثر تأثيرًا.
في المقابل، فإن قوة حضور الاقتصاد الأمريكي عالميًا هي نقطة ضعفه أيضًا، فإذا ما بادل العالم أميركا بفرض الرسوم الجمركية، فإن الاقتصاد الأمريكي سيخسر كما سيخسر الاقتصاد العالمي، لكن الخسارة الأمريكية ربما ستكون أكبر، لأن الشركات الأمريكية ومستثمريها ونظامها التجاري والاقتصادي والمالي مصممة جميعها للعمل في اقتصاد رأسمالي معولم حر تنافسي بلا حواجز، حيث العالم هو محيط هذا الاقتصاد. ومن الصعب عليه أن ينتقل بشركاته وتجارته ومستثمريه وأمواله الساخنة والباردة ونظامه المصرفي والمالي إلى اقتصاد مقيد ومغلق عليه. فالاقتصاد الأمريكي كالحوت، لا يستطيع العيش طويلًا خارج مياه الاقتصاد العالمي، الذي اعتاد الإبحار في محيطاته وبحاره.

مواضيع قد تهمك