ترامب يعيد رسم تحالفاته في الشرق الأوسط: المال الخليجي يتقدم على الدعم التقليدي لإسرائيل

نشرت مجلة "بوليتيكو” تقريرا أعدّته الصحفية ناحال توسي تناول زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن الديناميات في المنطقة بدأت تتحول من مركزية إسرائيل لصالح بعض الدول العربية.
وتقول الكاتبة إن ما بات الإسرائيليون يكتشفونه هو أنهم لا يملكون المنافع الاقتصادية الملموسة التي تتمتع بها دول الخليج، وهو ما يؤثر على علاقتهم برئيس أمريكي كترامب، ينظر إلى الأمور من منظور المال والصفقات. فبينما منح الرؤساء الأمريكيون السابقون إسرائيل دعمًا غير مشروط، جاء ترامب بمنهج تعاقدي تغلب عليه صفة الفساد، خاصة في ولايته الثانية، حيث بدا مهتمًا بإبرام المزيد من الصفقات، سواء لتحسين الأوضاع الاقتصادية للأمريكيين أو لتحقيق مصالح شخصية تتعلق بعائلته.
لا تملك إسرائيل المنافع الاقتصادية الملموسة التي تتمتع بها دول الخليج، وهو ما يؤثر على علاقتها برئيس أمريكي كترامب، ينظر إلى الأمور من منظور المال والصفقات
فدول مثل السعودية وقطر والإمارات وعدت باستثمارات بمليارات الدولارات في الاقتصاد الأمريكي، وفتحت المجال لشركاتها لعقد صفقات مع مؤسسات مرتبطة بعائلة ترامب، إلى جانب شراء كميات ضخمة من الأسلحة الأمريكية. ففي يوم الثلاثاء، تعهدت السعودية وحدها بضخ استثمارات تصل إلى 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، منها 142 مليارا مخصصة لصفقات الأسلحة.
وبالمقارنة، تقول توسي، تعتمد إسرائيل على أموال دافعي الضرائب الأمريكيين لشراء الأسلحة، وتجد نفسها مضطرة للتفاوض على اتفاقيات مساعدات عسكرية جديدة. وبما أنها ليست دولة نفطية، فإن ثروتها محدودة، إلى جانب تورطها في حرب مكلفة في قطاع غزة أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف، وهو صراع يرغب ترامب في إنهائه. وعندما سألت توسي مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين عن كيفية مواءمة ما تقدمه دول الخليج للولايات المتحدة، جاء الجواب: "لا شيء”.
ورغم ما تتمتع به إسرائيل من مظاهر قوة، تشمل الروابط السياسية في واشنطن، والتعاون الأمني، والتكنولوجي، والاستخباراتي، وتاريخ طويل من الشراكة، إلا أنها لا تملك ميزة فعالة للتأثير على ترامب، خصوصا في ظل حاجتها المستمرة للدعم. وتعلق المحللة الإسرائيلية شيرا إيفرون على ذلك بقولها: "ترامب يهتم بترامب وبأمريكا أولًا، أليس كذلك؟”، مضيفة أن الجانب الاقتصادي ليس إلا بُعدًا واحدًا في العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية. وتتابع: "ترامب يزور الدول العربية التي تعاملُه كملك – فهناك ملعب غولف وفندق وطائرة – والسؤال هو: متى ستستخدم هذه الدول نفوذها الاقتصادي عليه للضغط على إسرائيل في ملف غزة وإيران وتحقيق الاستقرار الإقليمي؟”.
تعتمد إسرائيل على أموال دافعي الضرائب الأمريكيين لشراء الأسلحة، وتجد نفسها مضطرة للتفاوض على اتفاقيات مساعدات عسكرية جديدة
وتشير المجلة إلى أن هناك إشارات على إدراك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتنامي نفوذ الدول العربية. ففي يوم الإثنين، تسربت أنباء عن حديثه مع نواب في الكنيست، قال فيه إن على إسرائيل تقليص اعتمادها على المساعدات العسكرية الأمريكية التي تبلغ حوالي 4 مليارات دولار سنويًا. وقد يُرضي هذا الموقف ترامب ويخفف من الضغوط داخل الحزب الجمهوري الذي يُبدي تذمرا من سخاء الولايات المتحدة تجاه إسرائيل.
ويروّج ترامب ومؤيدوه لفكرة ضرورة مساهمة الحلفاء بشكل أكبر في الدفاع عن أنفسهم. وتأتي تصريحات نتنياهو في وقت تبدأ فيه واشنطن وتل أبيب دراسة مستقبل اتفاقية المساعدات العسكرية الممتدة لعشر سنوات، والتي تنتهي عام 2028. ويقول دان شابيرو، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، إن على المسؤولين الإسرائيليين الاستعداد "لمزيد من المفاوضات التعاقدية، والتركيز على ما يمكن لإسرائيل أن تقدمه للولايات المتحدة”.
ومن بين المؤشرات الأخرى على هذا التغيير، ما أعلنه وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر من أن الوقت قد حان لتقيم إسرائيل علاقات جيدة مع القيادة السورية الجديدة – وهو تحول تحبذه عدة دول عربية. وصرّح ترامب يوم الثلاثاء بنيته رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، قائلا إن هذا القرار جاء جزئيًا لإرضاء مضيفه في ذلك اليوم، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مضيفا: "يا إلهي، ما الذي أفعله مع ولي العهد؟”.
الاستقبال العربي الحافل لترامب هذا الأسبوع لا يُقارن بإمكانات الفندق الذي قُدِّم له أثناء زيارته لإسرائيل، ولا يضاهي فخامة فنادق الخليج. لكن العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية تشهد توترا أعمق، خاصة بين ترامب ونتنياهو. ففي ولايته الأولى، اتخذ ترامب قرارات أسعدت نتنياهو واليمين الإسرائيلي، لكنه هذه المرة يتصرف بأسلوب أثار استياءهم.
من بين تلك القرارات فتح مفاوضات مع إيران بدلا من دعم خطط إسرائيل لتدمير منشآتها النووية، ووقف الحملة العسكرية ضد الحوثيين، رغم استمرارهم في مهاجمة إسرائيل، إلى جانب الإفراج عن الأسير الإسرائيلي-الأمريكي إيدان الكسندر، وكذلك طرح فكرة التعاون مع السعودية لبناء مفاعل نووي مدني، حتى دون انضمامها لاتفاقيات التطبيع.
ويُذكر أن جولة ترامب الأخيرة، وهي الأولى له منذ انتخابه، لم تشمل زيارة لإسرائيل. ووفقا لتقارير، أخبر أحد مبعوثي ترامب عائلات الأسرى بأن حكومة نتنياهو غير مستعدة لوقف الحرب في غزة، رغم رغبة ترامب بوقف إطلاق النار وضمان الإفراج عن الأسرى.
ورغم الحديث عن تصدع في العلاقة بين ترامب ونتنياهو، ينفي البيت الأبيض وجود توتر. ونقلت المجلة عن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جيمس هيويت، قوله: "لم يكن لإسرائيل في تاريخها صديق أفضل من الرئيس ترامب”. كما أكدت السفارة الإسرائيلية في واشنطن أن العلاقة "قائمة على قيم مشتركة والتزام بالاستقرار الإقليمي والعالمي”.
يُنظر إلى ترامب على أنه شخصية متقلبة يصعب التنبؤ بسلوكها، وقد تتغير مواقفه بشكل كبير خلال الأشهر المقبلة
منذ عودته إلى البيت الأبيض قبل أقل من ستة أشهر، يُنظر إلى ترامب على أنه شخصية متقلبة يصعب التنبؤ بسلوكها، وقد تتغير مواقفه بشكل كبير خلال الأشهر المقبلة. ويمكن لإسرائيل أن تعزز علاقاتها عبر زيادة التعاون الاستخباراتي والأمني، أو تعهدها بزيادة إنفاقها العسكري المستقبلي لصالح شركات الدفاع الأمريكية، خصوصا في مجال الدفاع الصاروخي، كبرنامج "القبة الحديدية”، بما يخدم طموحات ترامب في بناء درع دفاعي مشابه داخل الولايات المتحدة، كما يقترح روب ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
في الوقت الحالي، تسود المؤسسة الإسرائيلية حالة من القلق، في ظل شعور بعدم القدرة على التأثير على ترامب. وتشير توسي إلى أن لو كان بايدن قد اتخذ نفس قرارات ترامب الأخيرة، لقوبل بغضب واسع من إسرائيل واتُهم بمعاداتها، لكن ترامب مختلف، خاصة أن نتنياهو بنى علاقة قوية مع الجمهوريين، على حساب الديمقراطيين، ولا يرغب بأن ينتهي به المطاف مُهانا كما حدث مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وتضيف أن هناك حوارات خاصة في إسرائيل تنتقد ترامب، لكنها لا تُعلَن خشية العواقب.
بنى نتنياهو علاقة قوية مع الجمهوريين، على حساب الديمقراطيين، ولا يرغب بأن ينتهي به المطاف مُهانا كما حدث مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي
ويبقى نتنياهو مقيدا بسياسات الداخل وطموحاته الشخصية للبقاء في السلطة، تفاديًا لمحاكمته بتهم الفساد. ويعني ذلك موازنته لمطالب شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف، الذين يريدون السيطرة على غزة وطرد سكانها البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، وضم الضفة الغربية.
حتى الآن، مضى نتنياهو مع مطالب هذا اليمين، خاصة في استمرار الحرب على غزة، لكن بعض التحليلات تشير إلى أن ترامب قد يكون – من دون قصد – قد زاد من الضغوط عليه، بطرحه فكرة طرد الفلسطينيين وتحويل غزة إلى وجهة سياحية أمريكية، وهي فكرة تحفّز اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يضغط على نتنياهو. وبينما تتمتع الدول التي يزورها ترامب بميزة مالية كبيرة، تشكو إسرائيل من كثرة المطالب، وهو ما يزعج ترامب.
وتختم المجلة بتصريح من محلل قال ساخرا: "توقفوا عن الإزعاج”، في إشارة إلى الموقف الإسرائيلي. وتشير تقارير إلى أن وقف الحرب كان من الممكن أن يكسب نتنياهو نقاطا لدى ترامب، حتى أن بعضهم قال مازحا إن وقف الحرب سيمنح ترامب جائزة نوبل للسلام.