د. صلاح العبادي : أين تتجه «مفاوضات» غزّة وسط الضغط الأميركي والمراوغة الإسرائيليّة؟!

المتمعن في مجريات الأحداث السياسيّة المتعلقة في الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزّة، بين حركة حماس والجانب الإسرائيلي يدرك تماماً أنّ إسرائيل كعادتها تواصل المراوغة السياسيّة، تجنباً للانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية منه، بعد مرور 52 يوماً من الاتفاق والذي كان يفترض أن يحقق انسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزّة وهو ما لم يحدث!
يواصل الوسطاء جهودهم لتقريب وجهات النظر، بعد أن انتقلت الولايات المتحدة الأميركية من دور الوسيط إلى المفاوض، في محاولة جادة لإنهاء الأزمة الدائرة، في وقت تتواصل المظاهرات الإسرائيلية للمطالبة بإتمام صفقة التبادل للأسرى، حيث طوق المئات يوم أمس مقر وزارة الدفاع في تل أبيب للضغط على الحكومة، ويدرك عائلات الأسرى الإسرائيليين أن المستوى السياسي الإسرائيلي يعرقل التوصل إلى صفقة مرضية للجانبين.
الدوحة استضافت يوم أمس جولة جديدة من محادثات تثبيت الهدنة في القطاع المدمر، وسط خلافات حول شروط المرحلة الثانية المحتملة، وأحاديث عن مشاركة وشيكة لمبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف ضمن مساعي الحلحلة.
الحضور الأميركي المرتقب بعد محادثات مباشرة بين واشنطن وحماس، وإرسال إسرائيل وفداً للدوحة جاء في إطار السعي الجاد من قبل الوسطاء، لنزع فتيل الأزمة، على نحو يمكنهم من تثبيت الهدنة التي تحاول إسرائيل التنصل منها، وتمديدها لمدة شهرين إلى ما بعد شهر رمضان المبارك وعيد الفصح، على أن يعقبها جولة من المباحثات الجديدة.
فريق المفاوضات الإسرائيلي الذي يشرف عليه وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي عاد أمس إلى الدوحة، لإجراء جولة جديدة من المباحثات التي ما تزال تراوح مكانها، بعد تنصل رئيس الوزراء الإسرائيلي من الانتقال للمرحلة الثانية، في وقت يمارس الضغط النفسي على حماس بعد قطع الكهرباء عن القطاع، في انتهاك صريح للقانون الدولي، بينما تعلو الأصوات المتطرفة في حكومة نتنياهو لقطع المياه عن القطاع، في حين مُنع إدخال الوقود والمساعدات الإنسانيّة والإغاثيّة له.
ومن المتوقع أن يصل «ويتكوف» إلى الدوحة لمتابعة سير المفاوضات، و"حلحلة» عقدة المفاوضات الهشّة لإنقاذها بصورة تحقق نشوة نتنياهو الذي يسعى إلى تحقيق أي مكتسبات إضافية له أمام الشارع الإسرائيلي، لضمان صمود حكومته إلى حين إجراء الانتخابات الإسرائيليّة في نهاية العام 2026.
ومن المتوقع أن تكون خطة «ويتكوف» التي طرحها موضعاً للنقاش والمباحثات، كونها تروق إلى الجانب الإسرائيلي؛ إذ تتضمن إطلاق حركة المقاومة الفلسطينيّة «حماس» سراح عشر رهائن أحياء، من بينهم الإسرائيلي–الأميركي عيدان ألكسندر، مقابل 60 يوماً أخرى من وقف إطلاق النار، على أمل أن تفضي المفاوضات مستقبلاً إلى هدنة طويلة الأمد.
ومع انتهاء المرحلة الأولى من الصفقة، بداية الشهر الجاري، والتي أثمرت بالإفراج عن 33 رهينة، بينهم 8 قتلى، و1800 أسير فلسطيني، رفضت حماس، خطة «ويتكوف» التي باركتها إسرائيل.
زيارة ويتكوف للمنطقة تحمل بصيص أمل جديد، لتثبيت صمود الاتفاق وتجاوز العراقيل التي فرضها نتنياهو، لمنع عودة الحرب من جديد، ولضمان تطبيع المزيد من الدول العربيّة مع إسرائيل.
كما أنّ زيارة ويتكوف للدوحة من شأنها أن تحدث خرقاً جديداً في المفاوضات المتعثرة، لتعزيز فرص صمودها، من خلال تمديد المرحلة الأولى وإدخال المساعدات الإنسانيّة والإغاثيّة للقطاع المنكوب.
الفترة الماضية شهدت لقاءات عدة بين قيادات حركة حماس والمبعوث الأميركي لشؤون الرهائن آدم بوهلر، بخصوص مناقشة التوصل إلى اتفاق يفضي إلى إنهاء الحرب المدمرة، في وقت ترى حماس أن انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، من شأنه أن يعزز جهود إعادة الإعمار في القطاع، وهو ما ترى فيه ضرورة حتمية لا يمكن تجاوزها.
ومن المتوقع أن تسهم الضغوط العربيّة الموحدة والتي تتناغم مع موقف الدول الأوروبيّة، إلى جانب التحركات الأميركية في المنطقة لتعزيز فرص التوصل إلى الاتفاق، خصوصاً إذا لمس نتنياهو جديّة الإدارة الأميركية في التوصل إلى إطار يعد أكثر قبولاً من الطروحات السابقة، خصوصاً وأنّ المجتمع العربي والدولي فقد الثقة بنتنياهو الذي يفاجئ العالم بالتنصل من تعهداته واتباع أساليب المماطلة والخداع، وهو الأمر الذي سيسهم في عزلته السياسيّة أمام المجتمع الدولي.