د محمد كامل القرعان : الدبلوماسية الأردنية .. حكمة في زمن العواصف

في أعماق السياسة، تتدفق تيارات لا يراها إلا اللماح الخبير، تتشابك الخطوط وتتعقد المسارات، حتى لا يفرق المرء بين الليل والنهار، بين الغيم والسماء. وعلى ضفاف هذا المشهد المترامي الأطراف، تقف الدبلوماسية الأردنية كجبل شامخ، يعلوه رجال صدقوا الوطن وقائده الهاشمي الأبي ؛ يحملون على عاتقهم تاريخًا مشرفا، ومستقبلًا يزدحم بالتحديات.
في زمن تسيح الأرض فيه تحت أقدام العالم، حيث الحروب تشتعل دون إنذار، والعلاقات الدولية تتقلب ببين الفينة والأخرى، تتجلى الدبلوماسية الأردنية عبر وزارة الخارجية الأردنية بقيادة وزيرها أيمن الصفدي، رافعة لواء الأردن في ساحات التفاوض، ومدافعة عن حقوقه بكلمات من حديد، وسيفٍ من منطقٍ لا يلين. وعلى الجانب الآخر، يقف مجلس النواب، تحت قيادة رئيسه النائب احمد الصفدي، يساندون، يراقبون، ويؤكدون أن القرار الأردني ليس فرديًا، بل هو صوت أمة تتحدث بلغة المؤسسات، وتحمل إرثًا من الحكمة والمواقف الحاسمة.
ليس غريبًا أن يقود الأردن دفة الدبلوماسية العربية والمنطقة وقائدها جلالة الملك عبد الله الثاني ، وليس جديدًا أن تحظى بنصيب كبير من الحنكة ما يجعلها قادرة على مخاطبة العالم بلغة العقل والمصالح المشتركة. فقد أثبت الدبلوماسية الأردنية عبر التاريخ انهأ رجل المرحلة مهما اختلفت تلك المرحلة بتفاصيلها وتداعياتها، تجمع بين الهدوء الصارم والحزم الرصين، ودقة التحليل وذكاء الحركة، وبين إدراك التاريخ وصياغة المستقبل.
لقد وقفت هذه الدبلوماسية أمام العالم والأمم المتحدة، وقالت كلمتها » لن نقبل المساس بحقوقنا وسيادتنا، ولن تفرط في ذرة واحدة من أمنها القومي ولن تساوم على القضية الفلسطينية وحقن الدم الفلسطيني ». كانت كلمات الأردن كالمطارق على صخور الدبلوماسية الرمادية، لا تهديد أجوف، بل رسالة واضحة: نحن أهل الحوار، ولكننا لسنا ضعفاء بل أصحاب حق وموقف. لقد أدرك الأردن مبكرًا أن «السياسة فن الممكن»، وأن الدبلوماسية لا تعني التنازل بل تعني الإصرار على الحقوق بذكاء وإقناع. ومن هذا المنطلق، تحركت الدبلوماسية الأردنية في دوائر ال?وة الكبرى، من واشنطن إلى بروكسل، ومن موسكو إلى بكين، حاملًا ملف المنطقة برمتها في يد، والقضية الفلسطينية في اليد الأخرى، دون أن تغفل عن أزمات الإقليم التي لا تخفى على أحد من فلسطين ولبنان الى سوريا.
في غزة، كان الأردن السد المنيع والسور الصاد أمام أي محاولة لتهجير الفلسطينيين، رفضٌ قاطع، وموقف ثابت، ودبلوماسية لا تخشى في الله لومة لائم ولا تهاب قول الحق. كانت النقاشات تدور في دهاليز العواصم، وفي غرف مغلقة، لكن صوت عمان ظل الأعلى، حتى بات العالم يدرك أن أي حل لا بد أن يمر عبر بوابتها. لا تهجير.. لا تغيير ديموغرافيا.. لا عدوان مستمرا نعم لحق العودة نعم للقدس، هذا هو المبدأ، وهذه هو الأردن، يفرض احترامه بمنطقه العادل، لا برفع الصوت ولا بالمزايدات الفارغة.
وفي سوريا، حيث تاهت الرؤى بين الأطراف المتصارعة، كان الأردن اليقظ القادر على لم الشمل وجمع الفرقاء دون تحيز، على دفعهم إلى طاولة جوار سوريا، وعلى احتضان الأشقاء السوريين الفارين من جحيم الحرب دون ضجيج. فلم يكن هناك مجال للتهاون، فالوضع على حدودنا ليس شأنًا خارجيًا، بل هو جزء من أمننا المباشر. لذلك، ظلت الدبلوماسية الأردنية تتحرك بحكمة، بين العواصم المؤثرة، بين القوى الكبرى والمبعوثين الأمميين، مؤكدًا أن سوريا لن تستقر إلا بوحدة أرضها وشعبها ومؤسساتها وخروج المرتزقة من أراضيها.
وفي صرح مجلس النواب، هناك رجالٌ لا يقلون إخلاصًا عن جنود الحدود، ممثلا برئيس مجلسه النائب احمد الصفدي، كان درعًا نيابيًا يساند السياسة الخارجية الأردنية بحزم وإرادة.
وحين كان المشهد العالمي يشتعل، لم يلتزم الصمت، بل رفع صوته حيث يجب، يدين الانتهاكات الإسرائيلية في غزة، وتستنكر تعنته، ويحذر من التداخلات والتداعيات العدوانية لدولة الاحتلال على المنطقة. لم يكن الأمر مجرد بيانات سياسية، بل تحركات برلمانية محسوبة، ومواقف مؤثرة، واتصالات مباشرة مع برلمانات العالم، لشرح موقف الاردن وتأكيد شرعية مطالبه.
وحين سعى بعض المتربصين لتشويه صورة الدولة، كان المجلس حاضرا ويتحرك،ويناقش ويدعم الجهود الحكومية، حتى أصبح جسرًا بين الدولة والمواطنين، وسندًا للوطن.
الأردن، عبر تاريخه، لم يكن يومًا دولة تبحث عن المواجهات، لكنها أيضًا لم تكن يومًا دولة تقبل المساس بحقوقها. واليوم، وهي تواجه تحديات دقيقة على مختلف الجبهات، تظهر «الدبلوماسية الأردنية » في أبهى صورها، حيث تتكامل الأدوار بين الخارجية والبرلمان، بين المفاوض والداعم، بين الوزير والمشرع.
وفي النهاية، تبقى الدبلوماسية الأردنية مدرسة عريقة وصفحة مضيئة نظيفة، تراكمت فيها الخبرات عبر العقود، تشربت من نيل حكمة الهاشميين، ومن تاريخها الكبرياء، لا تتورط في صراعات بلا طائل، لكنها تعرف كيف تنتزع حقوقها في عالمٍ لا يحترم إلا الأقوياء. ــ الراي