الأخبار

رمزي الغزوي : الأكراد ضحايا الجغرافيا

رمزي الغزوي : الأكراد ضحايا الجغرافيا
أخبارنا :  

أول أمس سرني أن توصلت دمشق إلى اتفاق لدمج قوات سوريا الديمقراطية «قسد» في مؤسسات الدولة، وقبلها بأيام دعا عبدالله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني، إلى إلقاء السلاح وحل الحزب لنفسه، وهذه انفراجة كبرى في طريق حلحلة المسألة الكردية. فلأجيال طويلة، ظل الأكراد عالقين بين حدود لم يرسموها وخرائط صُممت بناءً على المصالح السياسية، لا على حقائق التاريخ.
ورغم أن الأكراد أحد أقدم الشعوب في الشرق الأوسط، فإنهم لم يحصلوا على دولة تجمع شتاتهم، بل وجدوا أنفسهم موزعين بين تركيا وإيران والعراق وسوريا، في معركة دائمة بين المطالبة بحقوقهم والاصطدام بالأنظمة التي تحكمهم، بينما يتكرر خذلان المجتمع الدولي لهم مرارًا.
لكن القضية الكردية ليست مجرد خلاف سياسي، بل هي مأساة إنسانية مستمرة. في تركيا، حُوربت لغتهم، وسُوّيت قراهم بالأرض، ووُضعوا في مواجهة قوانين تصفهم بـ»الإرهابيين». في إيران، واجهوا قمعًا ممنهجًا، حيث يُنظر إلى تنوعهم كتهديد، وكان الحرمان من الحقوق السياسية والثقافية هو القاعدة. أما في سوريا، فقد جُرّد مئات الآلاف منهم من جنسيتهم لسنوات طويلة، وكأن وجودهم ذاته محل جدل. وفي العراق، رغم تمتعهم بإقليم ذي حكم ذاتي، فإن علاقتهم مع بغداد تظل متوترة، وكأن السلام بالنسبة لهم حلم بعيد المنال.
ومع ذلك، لم يكن الأكراد مجرد ضحايا جغرافيا قاسية، أو أنظمة مستبدة، بل كانوا صُنّاع تاريخ في قلب الأحداث. من صلاح الدين الأيوبي، الذي غير مجرى التاريخ الإسلامي، إلى الأدباء والمفكرين الذين أثروا الثقافة، إلى المقاتلين والمقاتلات الذين تصدوا لأكثر الجماعات تطرفًا، لم يكونوا أبدًا شعبًا هامشيًا، بل فاعلين أساسيين في كل مرحلة تاريخية.
منذ انهيار الدولة العثمانية، بدأت رحلة الأكراد في البحث عن حقوقهم، فكانت الثورات والانتفاضات المتكررة، التي غالبًا ما أُخمِدت بالقوة. من ثورة الشيخ سعيد بيران في تركيا، إلى تجربة جمهورية مهاباد القصيرة في إيران، إلى الانتفاضات الكردية في العراق، وأخيرًا إلى ظهور قوات سوريا الديمقراطية في سوريا. في كل مرة سعوا فيها إلى حل سياسي، انتهى الأمر بالخيانة أو القمع، وكأن مجرد الاعتراف بحقوقهم يمثل تهديدًا وجوديًا للدول التي يعيشون فيها.
ورغم كل هذا، لم تنطفئ شعلة الأمل لديهم. في كل عام، يوقد الأكراد نار نوروز، ليس فقط احتفالًا بقدوم الربيع، بل كرمز لصمودهم في وجه محاولات الطمس والإقصاء. والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل سيظل الأكراد أسرى لهذا الصراع الأبدي، أم أن هذا القرن سيحمل لهم بداية جديدة؟ نرجو هذا . ــ الدستور

مواضيع قد تهمك