بشار جرار : «الغرين كارد» و«الكرت» الأحمر!

بانتظار كرت ترمب الأحمر رفع روبيو الأصفر. بواكير تطبيق الرئيس دونالد ترمب لاثنين من وعوده الانتخابية هلت بتأكيد وزير الخارجية العضو السابق في مجلس الشيوخ السناتور المخضرم ماركو روبيو بأن طرد مؤيدي «حماس» بدأ ولن يقتصر على طلبة جامعة كولومبيا العريقة ولا على حاملي تأشيرات الدراسة بل وحتى المقيمين بشكل شرعي في المحطة الأخيرة لنيل المواطنة الأمريكية الكاملة التي تمكّن الحاصل عليها من كل شيء سوى رئاسة بلاد العم سام وبضعة مناصب عليا فائقة الحساسية لا يسمح فيها الجمع بين جنسيتين.
ترمب الذي تجاوز «الغرين كارد» بالإعلان عن «الغولدن كارد»، تلك البطاقة الذهبية التي تمكن صاحبها في الإقامة ومن ثم المواطنة في حال المباشرة باستثمار قيمته خمسة ملايين دولار خاضعة للتدقيق الأمني والمالي حتى لا تصير البلاد «سداحا مداحا» يتسلل إليها الأغراب والفاسدون والإرهابيون عبر حصان طروادة الاقتصادي!
وخلافا لما تنفخ في كيره فضائيات ومنصات التدليس والتحريض والتزييف العميق، تزييف الوعي والضمير وهو أخطر من التلاعب بالصوت والصورة والمؤثرات الرقمية والإحصاءات والبيانات المزيفة أو المضللة (بفتح اللام الأولى وكسرها)، خلافا للافتراء باستهداف واشنطن أو أي حكومة أمريكية للمهاجرين أو الطلاب أو السواح، فإنه لا مشكلة في التعبير عن الرأي السياسي أو العقائد ما لم تحمل تحريضا على العنف. فقرار الطرد والذي سيشمل ربما حتى إسقاط الجنسية وليس فقط سحب «الغرين كارد» ليس بسبب دعم القضية الفلسطينية، السورية، اللبنانية، العراقية، الكوردية، الأمازيغية، الأرمينية أو السريانية، إلى آخره من جراحات مشرقنا المكلوم المأزوم منذ قرون، وإنما بسبب اللثام والأقنعة ليس لإخفاء الهوية بقدر ما هو لإشهار هوية سياسية معادية لأمريكا ومخالفة لقوانينها، وبسبب وعمليات التخريب والغرافيتي المخالف بمحتواه التشويهي التخريبي لا التعبيري الفني القانون.
من ضمن الغلطات الكارثية التي لا يستطيع أي محام أمريكي أو هيئة دفاع من مواطنين أمريكيين ولا حتى سفارات ولا مراكز حقوق مدنية، الدفاع عنها هي الأمثلة التالية الموثقة إعلاميا ورقابيا وأمنيا: إزالة طلبة و ناشطين من بينهم بعض المؤثرين، إزالتهم صور المخطوفين الإسرائيليين في غزة من شوارع نيويورك ونيوجيرسي الأمر الذي اعتبر عملا معاديا ومسيئا من قبل السواد الأعظم، بمن فيهم شخصيات قيادية في التظاهرات الداعية إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. رفع العلم الفلسطيني ليس مشكلة ففي بلاد العم سام، ترفع أعلام لحركات أربأ بهذا المقام الوقور ذكرها، وبعضها للأسف زج به بين أعلام وطنية وميليشيات محظورة في أمريكا باسم تحالف قوى «المعارضة»!
المشكلة هي في إنزال العلم الأمريكي وحرقه والدوس عليه كما جرى أمام محطة القطارات والباصات المركزية «يونيون ستيشن» والنصب التذكاري لكريستوفر كولومبوس مكتشف بلاد العم سام، في قلب العاصمة واشنطن دي سي. حتى هذه من الناحية الدستورية والقانونية ليست تعديا يخالف عليه القانون، لكن التعدي هو القيام بدفع وضرب وإهانة من يقول لا أو يسارع إلى الدفاع عن علمه أو أي علم ينبغي أن يسلم من أي تدنيس في منزلة تدنو من الرموز الدينية الواجب احترامها. حتى الشعارات رسما وهتافا، لها أبعادها القانونية. فمثلا الهتاف لنصرة الفلسطينيين غير الهتاف دعما لحماس أو حزب الله أو الحوثي. شعارات مثل «فلسطين من النهر إلى البحر» فيها من الناحية القانونية الصرفة مطب تم من خلاله الإيقاع في كثيرين بالشبهات، وهي تهمة يحاسب عليها القانون، لأنه يعني عمليا إنكار حق إسرائيل في الوجود كدولة، ويفتح الباب على مصراعيه على تفسيرات كثيرة لما يعنيه الهتاف من مصير مواطني دولة إسرائيل ويهود العالم ومن بينهم الأمريكيون اليهود أو مزدوجي الجنسيتين الأمريكية والإسرائيلية، والمسألة بذلك تتجاوز التعبير السياسي إلى المسألة الدينية مما ينزلق إلى مهاوي معاداة السامية وتهم أخرى كالتحريض والعنف والإرهاب.
سأكرس بعون الله في الأيام المقبلة مقالة لما يعرف بالتهييء أو التحضير سواء أكان ذلك للسفر أم الإقامة، فيما يعرف بال «أورينتيشن» وهو متطلب ينبغي أن يكون إجباريا لا اختياريا . ربما لو تم إطلاع كثير من الطلبة قبل سفرهم من بلادهم أو من سفارات البلاد التي سيتوجهون إليها على الخلفية القانونية لما لهم وما عليهم بموجب تأشيرات الدراسة، لتفادينا الكثير من المتاعب.
أذكر من تجارب في إطار العشيرة والجيرة لا الأسرة أن حروبا وأزمات سابقة في الشرق الأوسط أودت بمصير الكثير من الطلبة في الخارج، في أمريكا وحتى روسيا، أيام الاتحاد السوفييتي بسبب حماسة ليست في محلها، وسوء تقدير للموقف وطنيا وإنسانيا. إن كانت القضية قضية نصرة ومؤازرة، فمن نافلة القول إن دعم معلم، طبيب، طيار، خبير إلكترونيات أو برمجيات، أفضل مليون مرة من هتاف هنا وشعار هناك.
رحم الله سليمان عرار طيب الذكر وكتب الله مقامه في عليين. كان قد بادر معاليه عندما كان وزيرا للداخلية في ثمانينيات القرن الماضي بالدعوة إلى عقد مؤتمر وطني يكرس للطلبة الأردنيين في الخارج. التحدي في هذا الزمن ليس فقط في رعايتهم طوال أيام الدراسة، بل ربما في التوجيه والإرشاد والرعاية في إن كانت هناك حاجة أو حكمة في الدراسة بعيدا عن الأسرة والعشيرة والديرة، وإن كان من بدّ فأقله حسن اختيار التخصصات فتلك العملات الصعبة رصيد لا يستهان به لو تم استثماره داخل ربوع المملكة.