الأخبار

د. زهير طاهات : أدب المقال الصحفي

د. زهير طاهات : أدب المقال الصحفي
أخبارنا :  

​نشأ المقال الصحفي، ونما، وترعرع في أحضان الأدب، والفكر الثاقب؛ ليعالج القضايا، والمسائل والأحداث، والمواضيع بأسلوب علمي يتسم بالمصداقية، والدقة في نقل المعلومات، والموضوعية، والحيادية، والاتزان، ونقل الحقائق إلى المتلقي.

وعادة ما ينبري لكتابة المقال الصحفي، كبار الصحفيين، والأدباء، والنُّخَب من رجال الفكر والثقافة. وذلك بعد أن يجيد الصحفي بكامل المهنية، والحرفية، ويتقن الفنون الصحفية الأخرى؛ بعيدا عن النزعات الشخصية الضيّقة، وسذاجة الفكر، والفسق بالقول، وغير ذلك من وسائل الترخص التي يلجأ إليها أشباه الصحفيين، الذين تبرَأ منهم مبادئ كتابة المقال، وأسسه، وقواعده، حيث نجد هذه تسقط سقوطا مدوّيا في أحضان الإشاعة المُغرضة، وتهوي في دياجير الدعاية الكاذبة إلى غير رجعة.

​وحقيقة، إن مثل هؤلاء من أصحاب العقول الصغيرة لا يدركون أنهم مثارٌ للشفقة، حين تتكشف أفكارهم العقيمة الهشة، وآراؤهم الساذجة الصادرة عن أفق ضيّق؛ لأن أساليب الابتزاز لديهم واضحة للعيان، مهما حاولوا تغطية وجوههم بأقنعة مزيّفة!!

​ومما يؤسَف له أن مثل هؤلاء لا يعرفون شيئا عن أخلاقيات كتابة المقال الصحفي، ومواثيق شرف مهنة الصحافة التي يسمو أصحابها عن الترويج لشخص، أو جهة معيّنة. فهذه الأخلاقيات لا تسمح لهم أن يكون في فضاءات كتابة المقال النقي الذي لا لوثة فيه حضورٌ لمسرح العزل، والدجل، والردح، والقدح، والذم، وتصفية حسابات بأساليب بلاغية في غير موقعها كالتورية، والاستعارة، والكناية، والطرق الملتوية، المُعوجّة لخداع الجمهور.

​وقد يلجأ بعض الصغار بتفريغ سموم حقده خلال إسقاطات، وطرق غير نظيفة لعلاج موضوعات سياسية، أو اجتماعية، أو نقدية وهدفها مفضوح لبلوغ أغراض مريضة، وغايات باتت في العراء، ليس الهدف منها سوى أن يعرض صورة مشوّهة أصلا في ذهن كاتبها الذي كتنعاب الغراب، ونعيق البوم، ويعلو صوته المشؤوم، مختفيا وراء أوهامه الكاذبة، وخيلائه الماجن، مستخدما إسقاطات من الأكاذيب، والخزعبلات، ويتذاكى مختبئًا برداء الحمَل الوديع، ولا ينسى أنه بهذا يستعير أسلوب كليلة ودمنة في حكاياته على لسان الحيوانات بأبعادها المجازية، ودلالاتها السياسية العميقة محذرة من الفرقة: «أكلت يوم أكِل الثور الأبيض"!!.

​وهذا الأسلوب بات مكشوفا لدى العامة، والخاصة على حدّ سواء، إذ إن هناك عددا من كتّاب المقال الصحفي الصغار الذين لا همّ لهم سوى التصيّد في مياه يعتقدون أنها عكِرة حتى يربحوا البيع؛ لأنها تنسجم مع أفكارهم المشوّهة، ونشر معلومات ملغومة بالخداع، والمكر، والمراوغة؛ لطرح غاياتهم المسمومة للترويج لأحلامهم، وملاحقة أمانيهم الصغيرة، كمن يبحر في السراب، ويرتدي طاقية الإخفاء بعد أن عرّته الحقيقة لدى كل أديب ولبيب.

​وبعضهم من صغار العقول الضامرة يظن أنه يخدع القراء، لكنه ينسى أو يتناسى أنه واهم، ولا يخدع إلا نفسه القاصرة، ولعل هذا يذكّرني بقصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي التي مطلعها:

- برز الثعلب يوما في لباس الواعظينا!

- فمشى في الأرض يهذي ويسب الماكرينا!

- مخطىءٌ مَن ظنّ يوما أن للثعلب دينا!

​لذا؛ فإن من أهم خصائص أدب كتابة المقال الصحفي توافر شروط الأمانة، والمصداقية، والموثوقية، وبغير هذه الشروط يكون المقال وكاتبه كمن يرقم على الماء، أو كمن ينفخ في قربة مثقوبة. فحبل الكذب قصير، ولن يدوم، وسرعان ما ينكشف!

ــ الراي

مواضيع قد تهمك