الأخبار

د. احمد بطاح : إشكاليات «اليوم التالي» للحرب على غزة

د. احمد بطاح : إشكاليات «اليوم التالي» للحرب على غزة
أخبارنا :  

لعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن «اليوم التالي» للحرب الإسرائيلية على غزة ينطوي على إشكاليات كبيرة، وقد تكون هذه الإشكاليات عاملاً مهماً في إمكانية العودة إلى الحرب بعد تنفيذ الاتفاق الحالي لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس، ولكي نستكشف طبيعة هذه الإشكاليات يجدر بنا أن ندرس موقف كل طرف من الأطراف المعنية فيما يتعلق باليوم التالي:

أولاً: الموقف الإسرائيلي:

لقد أعلنت إسرائيل منذ البداية أنها لن تقبل بأن تظل حماس في سلطة الحكم بعد انتهاء الحرب، وأردفت ذلك برفضها أيضاً لعودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع وقد عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو عن هذا الموقف بقوله (لا حماسستان ولا فتحستان).

والواقع أن معضلة إسرائيل فيما يتعلق بهذا الموضوع تكمن في أنها لم تستطع إيجاد بدائل لحكم حماس طوال مدة الحرب التي طالت لما يقارب الخمسة عشر شهراً، وقد أَمِلْت إسرائيل في الواقع باستقطاب بعض الوجهاء الغزيين لهذه المهمة لكنها فشلت، كما أنها أخفقت في بناء أيّ تحالف عربي أو دولي للعب هذا الدور وبخاصة أنها (أيّ إسرائيل) كانت ترفض قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل كعامل تحفيز لبعض الدول العربية من أجل المشاركة.

كما تكمن معضلة إسرائيل بشأن هذا الموضوع في أنها حتى لو أزاحت «حماس» عن سلطة الحكم في قطاع غزة فإنها لن تستطيع أن تزيح جناحها العسكري (كتائب عز الدين القسام)، والواقع أن تفكيك حماس عسكرياً لن يكون ممكناً لإسرائيل (كما ثبت حتى الآن) كما قد لا يكون ممكناً لأية سلطة حكم تتولى إدارة قطاع غزة حيث إن أية محاولة من هذا النوع سوف تعني مواجهة عسكرية مع «حماس» التي ما زالت تتوافر على قوة عسكرية لا بأس بها.

ثانياً: موقف حماس:

لقد أبدت حماس مرونة بشأن هذا الموضوع حيث أعلنت أنها ترضى بأية حكومة أو جهة فلسطينية «مُتوافق عليها» فلسطينياً لحكم القطاع، ومن هنا قبلت بمبدأ «حكومة تكنوقراط» فلسطينية أو «لجنة الإسناد المجتمعي» التي ناقشتها الفصائل المختلفة، ولكن السلطة الوطنية الفلسطينية تحفّظت عليها، كما أن إسرائيل لم تعّبر عن رأيها بشأن هذا الموضوع، والواقع أن حماس وفي ظل عدم وجود أيّ بديل حتى الآن بدت مستعدة وربما راغبة في الإبقاء على سلطتها على القطاع، ومن هنا طلبت من شرطتها أن تمارس دورها حال دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، ونفذت تبادل الرهائن مع إسرائيل بصورة مشهدية، والواقع هو أنّ حماس قد تتنازل عن حكم القطاع، ولكنها لن تتنازل أبداً عن حقها في المقاومة، الأمر الذي يعني الإبقاء على جناحها العسكري وهو ما يقلق إسرائيل في الحقيقة.

ثالثاً: الموقف الأميركي:

الموقف الأميركي كما هو معروف متماهٍ مع الموقف الإسرائيلي من حيث رفض عودة حماس لحكم قطاع غزة، ولكنه مع عودة السلطة الوطنية الفلسطينية (بعد إصلاحها) إلى حكم القطاع، وقد تعمل الولايات المتحدة مع بعض الدول العربية لتشكيل «قوة» عربية أو «قوة» دولية تساعد في حكم القطاع، ولكن هل تستطيع الولايات المتحدة ضمان تفكيك حماس عسكرياً في ظل أية صيغة من الصيغ وهو المطلوب إسرائيلياً في الواقع؟، أما مقترحات «ترامب» الأخيرة بشأن تهجير فلسطيني القطاع أو بعضهم إلى مصر والأردن فهي لن تجد طريقها إلى التنفيذ بسبب رفض الفلسطينيين فضلاً عن مصر والأردن لها.

رابعاً: الموقف العربي:

يمكن القول أن الموقف العربي هو مع ما يُسمى «الشرعية الفلسطينية» أيّ مع أنْ تعود السلطة الوطنية الفلسطينية لحكم القطاع بمساعدة عربية إن لزمت، ولكن المشكلة في الموضوع أن السلطة الوطنية الفلسطينية غير مقبولة في غزة فضلاً عن أنها عاجزة فعلياً عن القيام بهذا الدور المهم، ومما يزيد الأمر تعقيداً أن السلطة غير قادرة كما ثبت في الضفة الغربية على «تطويع» المقاومين والسيطرة عليهم، فكيف يمكن أن يتسنى لها ذلك في قطاع غزة حيث ما زالت تُوجد لحماس قوة مُعتبرة وحاضنة شعبية قوية تجلت عند تسليم الرهائن (أو الأسرى) الإسرائيليين طبقاً لنصوص اتفاقية وقف إطلاق النار.

ما الذي يمكن أن يحدث في ضوء هذه الرغبات المتضاربة بشأن اليوم التالي؟ إن من المتوقع أن تستطيع الولايات المتحدة وبعض الدول العربية وبمساندة دولية تبني «صيغة» فلسطينية لحكم القطاع وعلى الأرجح من خلال عودة السلطة الوطنية الفلسطينية (وبرغم معارضة إسرائيل التي يمكن أن يُلجمها ترامب)، ولكن ما هو مُتوقع أيضاً هو أن حماس سوف تظل موجودة كقوة مقاومة مع بعض الفصائل الأخرى الأقل أهمية، والواقع أن سلطة الحكم قد تنتقل من يد إلى يد ولكن لا أحد يستطيع القضاء على فكرة مقاومة شعب لدولة احتلال ارتكبت إبادة جماعية حقيقية في قطاع غزة ولمدة (471) يوماً. إنّ درس التاريخ هو أنه ما دام أنّ هناك احتلالاً فلابد أن تكون هناك مقاومة وبغض النظر عن التسمية التي تأخذها، أو مُسمى من يقوم بها، ومن هنا تبرز معضلة إسرائيل الحقيقية وهي أنها قوة احتلال ولكنها لا تريد مقاومة وهذا هو المستحيل بعينه. ــ الراي

مواضيع قد تهمك