د محمد العزة يكتب : القيادة الهاشمية وعبقرية الديبلوماسية الأردنية
واثق الخطوة يمشي ملكاً.. بكل هدوء وثقة في النفس ورباطة جأش وطمأنينة، أطل علينا الملك يوم الاحد الموافق 2025/1/26 من على منصات التلفزة الإعلامية الدولية بتصريحات ردا على اسئلة الإعلام الغربي من بروكسيل عاصمة بلجيكا حول الموقف الأردني إزاء انتقال جزء من سكان قطاع غزة إلى الأردن وجزء اخر إلى مصر، ليأتي رده صريحا واضحا صلبا بلغة محكمة الجمل ورفضه رفضا تاما، مؤكدا على الموقف الأردني حيال هذا المقترح.
مكان وتوقيت الرد، له أبعاده وأهدافه، اذ تدل على حنكة سياسية ورؤية ثاقبة النظر ذات قدرة على تحليل الأحداث والحالة السياسية، وإبصار لما هو قادم ومطلوب من اتخاذ خطوات للبدأ بالتخطيط والاعداد والتحضير للاستعداد لغاية التعامل معه بكل اتزان واعتدال دون انفعال أو إبداء أي ملامح للقلق.
هي خبرة السنين واليقين والثقة بالله وأرث ديبلوماسية مدرسة الراحل الحسين بن طلال رحمه الله تعالى، التي لطالما امتازت بالحكمة والهدوء وعمق التفكير وابداع الفكرة وسرعة الحركة لضمان صناعة حالة من الوقاية والحماية، تقطع الطريق على اي قرارات سياسية لها تداعيات أو أثار سلبية على الدولة الأردنية كما حدث في الآونة الأخيرة.
الرد والتصريح من قلب عاصمة الديبلوماسية الاوروبية بروكسل مقر البرلمان الأوروبي ومعقل الديمقراطية ومركز القرارات السياسية الأوروبية له مغزى كبير ويحمل معاني كثيرة، حيث صاغ المللك عبارات تصريحاته على الهواء مباشرة من على منبر سياسي، لتكون بمثابة إجابة في سياق الرد التكتيكي الذكي للتصريح الذي صدر من واشنطن ومن على منبر سياسي أيضا دون وجود فارق في التوقيت أو التاريخ، ثم ليتم الاعلان عن توقيع الشراكة الاستراتيجية بين الاردن والاتحاد الأوروبي في تاريخ 2025/1/29 قبل تاريخ ميلاد الملك ال 63 بيوم وبحضوره مع القيادات الأوربية، ليكون التوقيع الأوروبي بالمنح ردا على توقيع المنع الأمريكي.
هذا الاتفاق في بروكسل أيضا رسالة أن الاردن يمتلك من المكانة العالية الرفيعة، تتيح له الخيارات المتعددة، يعززها العلاقات الدولية العميقة القائمة على الاحترام المتبادل التي تجعله قادرا على التعامل مع اي ضغوطات تمارس عليه أو قرارات تتعارض مع مواقفه وثوابته ومصالحه الوطنية السياسية والاقتصادية، وفي رسالة أيضا أنه نذر نفسه لخدمة وطنه وها هو وشعبه يستقبل عام جديد من عمره بثقة للعبور والمضي قدما.
الأردن دولة محورية في المنطقة، لأسباب عدة أهمها موقعه الجيوسياسي الاستراتيجي، الاستقرار السياسي لدولة عمرها تجاوز المئوية الاولى الى الثانية بحكم ملكي هاشمي ممتد يوصف بالاعتدال والاتزان في علاقاته مع عمقه العربي والإقليمي واتصالاته وتحالفاته الدولية الخارجية، وقوة روابط مؤسسة الحكم مع شعبها، هذا ما جعله يمارس دوره وفق هذا الوصف المحوري الرئيسي وما يترتب عليه من اتخاذ زمام المبادرة والمشاركة في أحداث سياسية في الماضي والحاضر، وخاصة بما يتعلق بملف القضية الفلسطينية ولم تنجح أيمحاولات التجاوز للاردن أو تجاهله في حساب المدخلات والمخرجات لاي معادلة من معادلات الحل السياسي.
هنا تبرز مزايا وسمات القيادة الهاشمية والريادة في إدارة الحالة أوقات الأزمات وتسخير كل الطاقات والقدرات والعلاقات لتجاوز العقبات والتحديات والضغوطات التي تمارس في وجه الدولة الأردنية، محاولة رهن قراراتها ومصيرها لصالح مشاريع لا تخدم المصلحة الوطنية.
هي عبقرية القائد الهاشمي في قيادة الديبلوماسية الأردنية التي أثبتت يوما بعد يوم أنها مدرسة على درجة عالية من العبقرية والحنكة والحرفية المهنية الوطنية التي اتصفت بديناميكية الثبات على الموقف ومرونة القرارات السياسية التي لا تقدم أي تنازلات لكنها مهارات القياس للمساحة المتاحة ودراسة الساحة التي تجري عليها الأحداث لاختيار موقع وموطئ القدم الثابتة التي تمنحه فرصة الوقوف متزنا صامدا قادرا على حمل الأعباء والمسؤولية الثقيلة، مسؤولية وطن وشعب وقضية.