الأخبار

أ. د. اخليف الطراونة يكتب : الضوضاء الدولية وانصياع إسرائيل للقانون الدولي الإنساني: التحديات والمسؤوليات

أ. د. اخليف الطراونة يكتب : الضوضاء الدولية وانصياع إسرائيل للقانون الدولي الإنساني: التحديات والمسؤوليات
أخبارنا :  

يُعتبر القانون الدولي الإنساني (IHL) إحدى الركائز الأساسية التي تسعى إلى حماية الأفراد والممتلكات خلال النزاعات المسلحة، ويهدف إلى تقليل آثار الحرب على المدنيين والبنية التحتية.

في هذا السياق، تشهد المنطقة الفلسطينية، خصوصًا بعد أحداث طوفان الأقصى وحرب غزة الأخيرة، تركيزًا دوليًا على مدى التزام إسرائيل بأحكام هذا القانون. وبالرغم من صدور العديد من القرارات الدولية التي تدين الانتهاكات الإسرائيلية، فإن التحدي الأكبر يكمن في تحقيق التنفيذ الفعلي لهذه القرارات وضمان احترام إسرائيل للمعايير الدولية.

على الرغم من كون إسرائيل طرفًا موقعًا على العديد من المعاهدات الدولية، بما في ذلك اتفاقيات جنيف لعام 1949، إلا أن سجلها في الالتزام بالقانون الدولي الإنساني يثير الكثير من الجدل. ومن أبرز الانتهاكات التي تُنسب إلى إسرائيل:

1. الاستخدام المفرط للقوة: العمليات العسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك الغارات الجوية والهجمات البرية، غالبًا ما تتسبب في خسائر كبيرة بين المدنيين، وهو ما يُعتبر خرقًا لمبدأ التناسب المنصوص عليه في القانون الدولي الإنساني.

2. استهداف البنية التحتية المدنية: القصف المتكرر للمستشفيات، المدارس، والمساجد والكنائس، وشبكات الكهرباء والمياه، وشبكات الطرق يُعدّ انتهاكًا واضحًا لحظر استهداف المنشآت المدنية.

3. الحصار والقيود: فرض الحصار على غزة، بما في ذلك القيود المفروضة على حركة الأشخاص والبضائع، يُعتبر شكلاً من أشكال العقاب الجماعي المحظور بموجب القانون الدولي.

مع تصاعد النزاع، ازداد الضغط الدولي على إسرائيل للامتثال للقانون الدولي. لكن المشكلة تكمن في «الضوضاء الدولية» غير المدعومة بإجراءات فعالة. ويُقصد بهذه الضوضاء بيانات الإدانة والمطالبات الدبلوماسية التي تُصدرها الدول والمؤسسات الدولية دون أن يتبعها أي التزام عملي.

من أسباب هذه الظاهرة:

1. التوازنات السياسية: القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة، تلعب دورًا حاسمًا في منع اتخاذ إجراءات ملزمة ضد إسرائيل في مجلس الأمن.

2. التوظيف السياسي للقانون الدولي: غالبًا ما تُستخدم القوانين الدولية كأداة ضغط سياسي بدلاً من كونها معايير ملزمة.

3. عدم وجود آليات فعالة للإنفاذ: القانون الدولي يعتمد إلى حد كبير على الالتزام الطوعي للدول، مع غياب آليات دولية قوية لفرض العقوبات على المخالفين.

على الرغم من الجهود المبذولة في المحافل الدولية، لا تزال هناك فجوة كبيرة بين القرارات الصادرة وتطبيقها على أرض الواقع. بعض العقبات الرئيسية تشمل:

1. الفيتو في مجلس الأمن: عرقلت القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة، العديد من القرارات التي تدين إسرائيل.

2. غياب الإرادة السياسية: عدم وجود إجماع دولي قوي بشأن القضية الفلسطينية يؤدي إلى تردد في اتخاذ خطوات حاسمة.

3. ضعف دور المحكمة الجنائية الدولية (ICC): رغم فتح تحقيقات في جرائم حرب محتملة في الأراضي الفلسطينية وغزة، تواجه المحكمة عقبات سياسية وقانونية تعيق قدرتها على محاسبة المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين.

جاءت حرب غزة الأخيرة وطوفان الأقصى كاختبار جديد للمجتمع الدولي. الأحداث كشفت عن:

1. التصعيد غير المسبوق في العنف، والذي أسفر عن أعداد هائلة جداً من الشهداء والجرحى المدنيين.

2. الانتهاكات الجسيمة التي تمثلت في استهداف المدنيين والمناطق السكنية والبنبة التحتية والمدارس والجامعات ودور العبادة.

3. ضعف الاستجابة الدولية، حيث اكتفت العديد من الدول بإصدار بيانات شجب خجولة دون أي إجراءات ملموسة على ارض الواقع.

توصيات لتفعيل القانون الدولي الإنساني

1. تعزيز دور المحكمة الجنائية الدولية: يجب دعم المحكمة ماليًا وسياسيًا لتمكينها من إجراء تحقيقات وملاحقات قضائية فعالة.

2. فرض عقوبات دولية: يجب على المجتمع الدولي استخدام الأدوات الاقتصادية والسياسية للضغط على إسرائيل للامتثال للقانون الدولي.

3. تفعيل دور المجتمع المدني: المنظمات الحقوقية المحلية والدولية يمكن أن تلعب دورًا في توثيق الانتهاكات وتعزيز الوعي بالقانون الدولي الإنساني.

4. إصلاح نظام الأمم المتحدة: لضمان فعالية مجلس الأمن، يجب تقليص استخدام حق الفيتو في القضايا الإنسانية.

في الختام، رغم الضوضاء الدولية بشأن التزام إسرائيل بالقانون الدولي الإنساني، لا تزال هناك فجوة كبيرة بين الخطاب والتنفيذ. الأحداث الأخيرة في غزة وطوفان الأقصى تُبرز الحاجة إلى تحرك دولي عاجل وفعال لضمان احترام القانون الدولي الإنساني. فالسلام والاستقرار في المنطقة لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال احترام الحقوق الأساسية وتحقيق العدالة.

ــ الراي

مواضيع قد تهمك