د. صلاح العبادي : غّزة بعد الحرب!
بعد نحو خمسة عشر شهراً من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، جاء التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، بعد أنّ خلّفت هذه الحرب ما يزيد عن 46 ألف شهيد و110 آلاف جريح، وآلاف المفقودين.
الأيام المقبلة ستكشف الواقع الأليم من المجازر الإسرائيلية، وهو ما لم يتم الكشف عنه، بعد تعرض ما يزيد عن 350 ألف مبنى في القطاع لدمار كلي أو جزئي، وهو ما يحتاج إلى عقدين من الزمن لإزالة ركام هذا الدمار، وكذلك نحو قرن من الزمن لإعادة إعمار القطاع، إذا ما أخذ بالاعتبار بأنه وما بعد الحرب الإسرائيلية على القطاع في العام 2014 شهد بناء ألف منزلٍ في العام الواحد دون أن تتدخل حماس في ذلك الوقت بإعادة الإعمار.
اليوم ستكشف وسائل الإعلام ما لم يتم الكشف عنه خلال الأشهر الماضية من واقع مرير وعمق الكارثة الإنسانيّة!
ستكشف بأن آلاف الأسر فقدت معيلها، وفقدت مقومات الحياة الرئيسية، بعد خروج 28 مستشفى عن الخدّمة، إمّا بسبب الدمار الكامل أو الجزئي أو نقص المواد والمستلزمات الطبيّة والوقود من أصل 35 مستشفى في القطاع!
اليوم سيعود أهالي الشمال إلى مواقع منازلهم التي سويت بالأرض، جرّاء مجازر الاحتلال، وربما العديد منهم لن يعلم أين كانت منازلهم!!
اليوم سيكون السؤال الأبرز: من سيدير القطاع الذي يتجاوز عدد سكانه المليوني نسمة تقريباً حسب احصائيات ما قبل الحرب؟!
سلطات الاحتلال ترفض أيّ دورٍ لحماس في القطاع، كما ترفض أيّ دورٍ للسلطة الوطنيّة الفلسطينيّة، رغم أنّ السلطة أبدت استعدادها لإدارة القطاع.
واضح بأنّ الاحتلال يتطلع أنّ يكون القطاع في إدارة قوات دوليّة، خصوصاً بعد أنّ فشلت خلال الأشهر الماضية باصطناع وتهيئة إدارة مدنيّة من العشائر لإدارة القطاع في مرحلة ما بعد الحرب.
اتفاق وقف إطلاق النار وإنهاء هذه الحرب، ربما يواجه ألغاماً سياسيّة تتعلق في الجهة التي ستحكم هذا القطاع، وهو الأمر الذي لم يحسم بعد!
بعد انتهاء مراحل الاتفاق وتنفيذ بنوده، يتعيّن على الدول العربيّة والأجنبية والأوروبيّة أن تتظافر جهودها وتلتقي على طاولة واحدة؛ للتباحث في جهود إعادة الإعمار، وصياغة رؤية غزّة ما بعد الحرب، وهو التحدي الكبير الذي يتطلب ضمان التمويل والجهات المشرفة على الإعمار وتنفيذه، وإنسيابية دخول مستلزماته بعيدا عن العراقيل الإسرائيلية.
المطلوب اليوم من الولايات المتحدة الأميركية أن تضغط على إسرائيل بصفتها دولة الاحتلال، لضمان تسلّم السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة لزمام الأمور في القطاع، وتقويتها لإدارة القطاع باعتبارها الجهة الشرعيّة الوحيدة التي يجب أن تديره، بعيداً عن اقحام أي قوات أجنبيّة في القطاع. حتى لا يتكرر المشهد الذي حدث في العام 2006 عندما فازت حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينيّة، فسيطرت على قطاع غزّة وأخرجت حركة فتح منها، بعد أشهر من الجمود السياسي.
إذا كانت إسرائيل كدولة احتلال تتحدث عن أمنها، فهذا لا يكون إلا بضمان أمن الفلسطينيين وإقامة دولتهم المستقلة عند خطوط الرابع من حزيران لعام 1967، وأنّ يكون القطاع جزءاً من الدولة الفلسطينيّة المستقبلية، بعيداً عن المخططات الرامية لفصله عن الضفة الغربية المحتلة. ــ الراي