الأخبار

اسماعيل الشريف يكتب : عام 2025 شحذ السكاكين

اسماعيل الشريف يكتب : عام 2025 شحذ السكاكين
أخبارنا :  

«رنين السّكّين فوق الحَجر أزعج صمتَه الداخلي، كأن الضوضاء تخبره أن شيئًا رهيبًا على وشك الحدوث»، رواية الطريق، نجيب محفوظ.
في مخالفة مني لتحليلات العديد من المراقبين، أرى أن العام الحالي سيتسم بالهدوء النسبي، لكنه سيكون عاماً محوريًّا يرسم معالم المستقبل القريب في المنطقة. وفيما يلي تحليل شامل لأدوار القوى الرئيسية المؤثرة في المشهد الإقليمي:
تمكن الكيان في عام 2024 من إضعاف قدرات المقاومة بشكل ملحوظ، لذلك من المستبعد أن يُقْدِم حزب الله أو حماس على عمليات عسكرية ضد الكيان الصهيوني في المدى المنظور؛ فكلاهما منشغل بترتيب أوضاعه الداخلية والتكيف مع المتغيرات الجديدة، حتى في ظل استمرار سيطرة حماس على قطاع غزة. في الوقت نفسه، نجح الكيان في توسيع نفوذه داخل الأراضي السورية وفرض سيطرته الكاملة على منطقة جبل الشيخ الإستراتيجية، مع إبقاء إدارة الضفة الغربية تحت مظلة السلطة الفلسطينية التي تتبنى نهجًا براغماتيًّا. ويسعى الكيان جاهدًا لتأجيج الخلافات الداخلية التي قد تفضي إلى صراع مسلح وربما حرب أهلية بين حركتي حماس وفتح.
وبتقديري من المرجح أن يتجنب الكيان الصهيوني خلال العام الحالي اتخاذ خطوات استفزازية قد تشعل المنطقة، مثل ضم الضفة الغربية. فأولوياته تتمحور حول إعادة تأهيل جيشه، ومحاولة رأب الصدع الداخلي، والتعامل مع تداعيات أحداث السابع من أكتوبر، ومحاسبة المسؤولين عن الإخفاقات، إضافة إلى محاولات تحسين صورته على الساحة الدولية
تشهد إيران تراجعًا كبيرًا في نفوذها الإقليمي. ورغم اعتقاد الصهاينة أن الظروف الحالية مواتية لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية - في ظل وجود ترامب، وانهيار نظام الأسد، وضعف حزب الله - إلا أن هذا السيناريو مستبعد لعدة أسباب، أهمها امتلاك إيران للقدرات النووية فعليًّا، كما أن أي هجوم أمريكي على المنشآت النووية الإيرانية قد يؤدي إلى رد فعل عنيف يزعزع استقرار المنطقة بأكملها ويهدد أمن دولها، فضلاً عن احتمال ارتفاع أسعار النفط بشكل غير مسبوق، مما قد يهدد السلام العالمي.
يثير احتمال توجيه ضربة قوية لإيران مخاوف من انهيار الدولة بالكامل، مما سيخلق فراغًا يهدد استقرار المنطقة، خاصةً العراق ودول جنوب القوقاز، كما يصعب التكهن بمصير الترسانة العسكرية الإيرانية، لا سيما إذا وقعت في أيدي الميليشيات المسلحة. لذلك، ستواصل الولايات المتحدة سياسة العقوبات والضغط على إيران، على أمل أن يؤدي ذلك إلى صعود التيار القومي ذي النزعة الانكفائية على حساب رجال الدين أصحاب التوجهات التوسعية.
في مقابل انحسار النفوذ الإيراني، يشهد النفوذ التركي في المنطقة تصاعدًا ملحوظًا، ولترسيخ هذا النفوذ وتعزيزه تدرك تركيا حاجتها للسلاح النووي.
خاصةً مع وجودها بين قوتين نوويتين: إيران والكيان الصهيوني. وبفضل تطور صناعاتها العسكرية، بدأت تركيا في توسيع قدراتها الصاروخية، بما في ذلك تطويرها في قاعدتها بالصومال، التي يُعتقد أنها تستخدم للتحضير لبرنامج تصنيع سلاح نووي. كما تواصل أنقرة مراقبة الحركات الإسلامية المتشددة، سواء داخل أراضيها أو في مناطق نفوذها، بهدف الاستمرار في احتوائها.
أما الدول العربية، فللأسف قد تراجع دورها من صناعة الأحداث إلى مجرد التفاعل معها دون قيادة حقيقية. ومع ذلك، قد تمكنها قدراتها المالية الكبيرة وموقعها الاستراتيجي من إعادة تشكيل تحالفاتها المستقبلية. ومن المحتمل أن تسعى هي الأخرى لامتلاك السلاح النووي، خاصة مع المساعي التركية المماثلة، ووجود هذا السلاح لدى إيران والكيان الصهيوني. وقد تنجح بعض الدول العربية في تحقيق هذا الهدف، ربما بمساعدة روسيا التي تسعى لاستعادة نفوذها في المنطقة.
يولي النظام العربي اهتمامًا خاصًّا بقضيتين محوريتين: الأولى هي عودة الإسلام السياسي بقوة إلى المشهد الإقليمي بعد فترة من التراجع، مع مراقبة الدول التي قد تشكل تهديدًا نتيجة لذلك. والثانية هي تقييم تأثيرات الانفتاح الكبير على الغرب على المجتمعات الإسلامية وقيمها.
في ضوء هذه المعطيات، أتوقع أن تتجنب دول المنطقة المواجهات المباشرة خلال العام الحالي، مركزةً جهودها على الاستعداد للمرحلة القادمة، وسيكون محور هذه المرحلة صراع النفوذ الإقليمي بين تركيا والكيان الصهيوني، باعتبارهما المرشحَين الأبرز لملء الفراغ الناتج عن تراجع النفوذ الإيراني. وأرجح أن المواجهة المستقبلية ستكون بين هذين القطبين.

ــ الدستور

مواضيع قد تهمك