القس سامر عازر : أجسادٌ تحتَ الركام

القس سامر عازر
وأنا أتفكر كغيري بما يتكدس تحت الركام في غزة من دمار وخراب وأجساد ممزقة وربما أشلاء متناثرة وربما أصوات أنين واستغاثة وطلب العون ومناجاة الله برفع هذه الكتل الضخمة والركام من فوقها والتي تحول دون نجاتها وخروجها للنور والحياة، يخطر ببالي كثيرون في هذه الحياة الذين يرزحون أحياء تحت الركام من ظلم الآخرين وقهرهم واستبدادهم، ربما لأنهم كهابيل قدموا أفضل ما لديهم مما جادت به يد القدير عليهم ودعتهم ليقدموا ما هو لخير البشرية من أفكار ورؤى ابتكارات وأعمال تؤول لحياة أفضل وحرية وكرامة وعدالة، ولكن الغيرةَ والطمعَ والأنانيةَ لا تسمح لأمثال هؤلاء بالحياةِ لأنهم يشكلون عقبة أمام طموحهم الجامح ولهاثهم للسلطة والنفوذ والمال. وهذا الأمر يستهوي الغالبية الساحقة من بني البشر، إذ يحبون المادة ويعبدونها ويضحون بكل القيم الإنسانية والأخلاقية النبيلة لأجل الحصول عليها وامتلاكها حتى ولو كان ذلك على حساب الآخرين وسعادتهم وراحتهم، فمثل هذه الروح النرجسية هي أخطر ما يهدد المجتمعات الإنسانية لأنها تحب الأخذ دائما ولا تحب العطاء أبدا، حتى وإن بدا منها شكلا من أشكال العطاء فإنه عطاء مغلّف بطابع أناني وصولي منفعي للحصول على ما هو أكبر وأهم بالنسبة لهم.
وهنا تأتي أهمية المفهوم الديني بأن الإنسان لا يقدر أن يخدم سيدين، وبأن الحياة تكمن في العطاء والبذل لا في الأخذ وشهوة الإستملاك. وعالمنا اليوم فقدَ كثيرا من القيم السماوية المبنية على المحبة الغيرية وعلى قيمة الإنسان الحقيقية التي تسمو على أية خليقة أخرى لأنّ الإنسان مخلوق على صورة الله ومثاله، يميزه العقل الروحاني الذي يقدر على التواصل مع رب الخليفة وموجِدها الذي دعاه لأن يتحمل مسؤولية قيادة الخليقة ورعايتها.
فمن يبحث اليوم عمن يقبعون تحت الركام؟! فأصوات الضحايا في غزة تهز ضمير العالم لإيقاف الحرب المستعرة وإنقاذ ما تبقى من وجه الإنسانية والاستثمار الحقيقي في رأس المال البشرى.