الأخبار

رمزي الغزوي : سوريا تتسع للجميع

رمزي الغزوي : سوريا تتسع للجميع
أخبارنا :  

سوريا تقف بين خيارين متناقضين، إما التأسيس لدولة حديثة تحتضن جميع مواطنيها، أو الغرق مجددًا في مستنقع الانقسامات الطائفية والصراعات الدموية. لقد كانت الثورة السورية المجيدة، في جوهرها، صرخة شعبية للمطالبة بالحرية والكرامة، لكنها وجدت نفسها محاصرة بين قمع نظام مجرم، وتطرف بعض القوى التي ادّعت تمثيلها. وهكذا، بدلاً من تحقيق العدالة والحرية، أُغرقت البلاد في دوامة من العنف والانقسامات.
لم يكن خطر الحرب الأهلية والطائفية قدَرًا محتمًا، بل كان نتيجة سياسات ممنهجة انتهجتها مختلف القوى، سواء النظام السوري الذي عزز الهويات الطائفية لتعزيز قبضته، أو القوى المعارضة التي انزلقت في أتون التطييف والممارسات الإقصائية. وبينما كانت البلاد تحتاج إلى خطاب وطني جامع، تصاعدت النعرات الطائفية، وأصبح أي انتقاد يُفسَّر على أنه استهداف لطائفة بعينها، ما أدى إلى شرعنة المجازر والتجاوزات تحت ذرائع مختلفة.
الخروج من هذا النفق المظلم يتطلب إرادة سياسية واضحة لإعادة بناء سوريا على أسس المواطنة الحقيقية، لا على اعتبارات طائفية أو مناطقية. فلا يمكن لسوريا أن تكون رهينة لرؤية طائفية ضيقة، سواء أكانت من النظام أو من بعض الأطراف المعارضة. بل يجب أن يكون الحل في إطار مسار تشاركي شفاف، يشمل جميع السوريين بمختلف انتماءاتهم، وفق رؤية ديمقراطية تحتكم إلى القانون والمؤسسات، لا إلى منطق الغلبة العسكرية أو التفوق العددي للطوائف.
إضافة إلى ذلك، فإن العدالة الانتقالية يجب أن تكون حجر الأساس في أي عملية مصالحة وطنية. إذ لا يمكن تحقيق الاستقرار دون محاسبة جميع مرتكبي الجرائم، سواء كانوا من النظام أو من القوى المسلحة التي ارتكبت تجاوزات باسم الثورة. فالشعب السوري لن يقبل بإعادة إنتاج الاستبداد تحت أي غطاء، كما أن تجاهل العدالة لن يؤدي إلا إلى تأجيج الأحقاد وتعميق الشرخ المجتمعي.
سوريا دولة لجميع أبنائها، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو المذهبية أو العرقية. ومن غير المقبول أن تُختزل في هوية طائفية واحدة، فالمواطنة يجب أن تكون الأساس الذي يُبنى عليه المستقبل. إن لم يتحقق ذلك، فستظل البلاد رهينة للصراعات الداخلية، مما يفتح المجال أمام الأطراف الإقليمية والدولية لاستغلالها وتمزيقها أكثر.
دفع السوريون ثمنًا باهظًا في هذه الحرب، لكن الفرصة لا تزال قائمة لإعادة رسم المستقبل. إن الخيار اليوم ليس بين الطوائف، بل بين سوريا وطنًا لجميع أبنائها، أو سوريا كيانًا ممزقًا يخضع لنفوذ القوى الخارجية. المسار التشاركي، القائم على العدل والمساواة والحرية، هو الأمل الأخير في إنقاذ البلاد من مصير مظلم، وجعلها تتسع حقًا للجميع. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك