الأخبار

ماجد الفاعوري : غزة تحت مقصلة الآلهة الجدد وصاية ترمب وولادة الشرق الأوسط الملعون

ماجد الفاعوري : غزة تحت مقصلة الآلهة الجدد وصاية ترمب وولادة الشرق الأوسط الملعون
أخبارنا :  

في هذا الشرق الممزق بين صراع العربي والغربي وبين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي تتشكل غزة اليوم كما لو أنها أوسلو جديد ولكن بنكهة اسلاموية أشد مرارة وبوصاية ترامبية تمتد جذورها في عمق المشروع الأمريكي الذي يقوده ترمب من بوابة غزة تلك البقعة الصغيرة التي كانت جزءا من الجغرافيا الفلسطينية فأصبحت اليوم قطعة استثمارية تتقاسمها الصناديق السيادية وتتنافس عليها الحكومات وكأنها منجم ذهب أو ريفيرا مستقبلية يجري إعدادها بهدوء على أنقاض شعبها الذي يدفع الثمن في كل مرة
غزة اليوم ليست غزة الأمس فالقوات الدولية التي تتشكل وتتهيأ ليست لحماية الفلسطينيين بل لتنفيذ أوامر ترمب الذي يريد أن يصبح الحاكم الفعلي لفلسطين عبر غزة ويقدمها للعالم كأنها الحديقة الخلفية لمشروعه الإبراهيمي الذي ينساب بكل أريحية داخل المنطقة الديانة الإبراهيمية واتفاقيات إبراهيم ليست مجرد شعارات سياسية بل هي ترتيب جديد لخريطة النفوذ وولادة شرق أوسط يعاد رسمه بالقوة والدم والنار وفي ذروة هذا المشهد يجري الحديث عن تهجير جديد للفلسطينيين من غزة والضفة وإقامة يهودا والسامرة بصيغة مكتملة هذا ما يحدث سواء أراد من أراد ورفض من رفض
القصة لا تحتمل التأويل ولا تحتمل المجاملة فهناك تحالفات تشق طريقها في العلن والخفاء هناك من ينسق ومن يبارك ومن يصمت ومن ينتظر دوره في حصة النفوذ وحتى روسيا والصين بكل ثقلهما لم تستطيعا إيقاف مشروع ترمب في غزة ولم تستطيعا تعطيل الترتيب الجديد الذي تشارك إسرائيل في قيادته تحت غطاء عربي أمريكي يعلن توافق العالم على ما يجري وكأن غزة ليست أرضا محتلة بل فرصة استثمارية في سوق إقليمي مفتوح
وفي قلب هذا المشهد الدامي يطل قرار مجلس الأمن الذي جاء ليبرئ إسرائيل من الاعتداء وليعتبرها دولة شريكة في إنفاذ القانون وليخرجها من خانة الاحتلال في خطوة كشفت حجم اختلال القانون الدولي والكيل بمكيالين وفتحت الباب أمام شرعنة القوة وتحويل الضحية إلى متهم وتثبيت الرواية التي يريدها الأقوياء لا الرواية التي تقولها الدماء على أرض غزة
أمريكا وجدت في غزة ما وجدته في العراق عام 2003 موطئ قدم ثابت مشروع طويل الأمد احتلال بصيغ حديثة وتحكم في الأرض والبحر والغاز والمعابر المائية كلها مفتوحة أمام واشنطن وإسرائيل من بوابة ميناء غزة ومن بوابة إعادة الإعمار التي تتحول تدريجيا إلى أداة إحكام السيطرة وربط الفلسطينيين بسلطة دولية لا تشبههم ولا تحمل هويتهم ولا تفكر بمستقبلهم إلا بقدر ما يحفظ أمن إسرائيل ويحقق الأرباح للشركات العابرة للحدود
التاريخ يعيد نفسه لكنه أشد قسوة هذه المرة فغزة تقبع تحت احتلال عالمي مشترك ترسم خرائطه غرف عمليات متعددة الجنسيات وتنفذه شركات أمنية واقتصادية أكثر مما تنفذه الجيوش التقليدية العالم كله يشارك في إعادة تشكيل غزة ليبيع قطاعها قطعة قطعة وليُهجر أهلها ثم يعاد إيواؤهم في مناطق عشوائية لا تصلح للعيش لكي يتحولوا إلى قوة عاملة رخيصة تبني رفاه الآخرين وتشيّد ريفيرا الأغنياء ومطلات السائحين وشاليهات المستثمرين الذين ينتظرون ساعة الحسم
كل ما يجري حول غزة ليس صدفة وليس رد فعل بل هو جزء من سيناريو مكتوب بعناية الغاز في البحر والنفط المحتمل والسيطرة على خطوط الملاحة كلها تدور حول ميناء غزة الذي سيصبح البوابة الذهبية للشرق الأوسط الجديد والذين يظنون أن العرب أقوياء بما يكفي لفرض إرادتهم مخطئون فنحن نعيش ساعة تحديد معالم الشرق الأوسط الجديد ساعة يتقرر فيها مستقبل فلسطين والمنطقة كلها
وماذا جنينا بعد سبعة أكتوبر غير الدمار والموت وانهيار ما تبقى من منظومة إقليمية كانت تتوهم القدرة على حماية نفسها سبعة أكتوبر لم يغير موازين القوى ولم يقلب الطاولة بل قدم الذريعة الذهبية للمشروع العالمي في غزة وأعطى الاحتلال تفويضا دوليا غير معلن لإعادة هندسة القطاع وتفريغه وتحويله إلى مسرح نفوذ اقتصادي وأمني ومن لا يرى ذلك فهو إما واهم أو متواطئ أو خائف من مواجهة الحقيقة
غزة اليوم ليست مجرد جرح فلسطيني بل هي ساعة الامتحان الأخيرة للمنطقة كلها فإذا استمر الصمت فسوف تستيقظ العواصم على خريطة جديدة ومعها واقع جديد وأخطر ما في هذا الواقع أنه لن يتوقف عند حدود القطاع ولا عند حدود فلسطين بل سيمتد ليعيد تشكيل الشرق الأوسط من جديد بأسلوب لا يشبه ما عرفناه من قبل حيث تصبح الجغرافيا سلعة والهوية ورقة والتاريخ عرضا مسرحيا يكتبه الأقوياء ويصفق له الصامتون
هذا هو الخطر الحقيقي وهذه هي الطبول التي يجب أن تُقرَع الآن قبل أن تصبح غزة مجرد نموذج يعمم على الجميع نموذج استثمار على أنقاض البشر ونموذج دولة بلا شعب وشعب بلا أرض ونموذج شرق أوسط يباع ويشترى في المزادات الدولية بينما العرب يختلفون على التفاصيل ويغرقون في صمتهم الطويل

مواضيع قد تهمك