الدكتور حسن البرماوي يكتب : أثر رفع العقوبات الاقتصادية والسياسية عن سوريا على الاقتصاد الأردني ودول الجوار

إنَّ سوريا والشعب السوري والقيادة السورية الجديدة الآن تدخل في مرحلةٍ مهمةٍ بتاريخها بعد خمسين عامًا من التسلُّط والديكتاتور الذي قاد سوريا إلى الحضيض، وفرَّق الشعب السوري وهجَّره، وقَتَل أكثر من مليون شخص في مجازر لا تُعدُّ ولا تُحصى.
اليوم، بعد قرار رفع العقوبات عن كاهل الشعب السوري بأكمله وحكومته، يجب البناء على هذا التطوُّر السريع لتستطيع سوريا وشعبها الوقوف من جديد كدولة مرصوصة البنيان وموحَّدة بكافَّة فئات شعبها، والعمل على إرساء القوانين والحفاظ على الوحدة الوطنية، ولتَرجِع سوريا وشعبها كما باقي الدول من تقدُّمٍ ونموٍّ وازدهارٍ.
وإنَّ الأردن يشترك مع سوريا بحدودٍ برِّيَّة طويلة، وقد تأثَّر بشكلٍ كبيرٍ بهذه الأزمة التي أتت من سوريا، وتطلَّب من القيادة الهاشمية والحكومات الأردنية المتعاقبة أن تأخذ دورًا أساسيًا ومحوريًا لمساعدة الشعب السوري والوقوف معه للخروج من هذه الأزمة من الناحية الإنسانية، لأنَّ مصلحة الأردن، الجارة الجنوبية لسوريا، هي الاستقرار.
وقد تأثَّر الأردن كثيرًا بالأزمة السورية.
وقبل الأزمة السورية: كانت سوريا شريكًا تجاريًا مهمًّا وممرًّا حيويًا وبوَّابةً للصادرات الأردنية نحو دول أوروبا وتركيا، ولذلك فإنَّ الاستقرار السياسي والأوضاع في سوريا الشقيقة يُساهم في تنشيط التجارة الثنائية والإقليمية والدولية.
ولا ننسى أنَّ الأردن يستضيف نسبة كبيرة من الإخوة السوريين كضيوفٍ في بلدهم الثاني، الأردن، بقيادته الهاشمية المظفَّرة والحكيمة، ومليون وثلاثمائة ألف لاجئ سوري يعيشون في الأردن. وفي هذه المرحلة من التعافي واستقرار الأوضاع، سيتشجَّع جزء كبير من اللاجئين السوريين على العودة الطوعية إلى بلدهم الأم.
وقد شكَّل اللاجئون السوريون ضغطًا على موارد الدولة وخدماتها، وعلى البنية التحتية والفوقية للأردن، وهذا ما شعر به جميع الأردنيين في جميع المحافظات، وخصوصًا العاصمة، ومحافظة إربد، ومحافظة المفرق، والرمثا، وإلى الآن.
وحيث إنَّ استقرار سوريا يُقلِّص من خطر الجماعات المتطرِّفة وتهريب السلاح والمخدِّرات عبر الحدود، ممَّا يُعزِّز الأمن الوطني الأردني.
وبسبب تحسُّن العلاقات الثنائية بين الأردن وسوريا، وزيارة الرئيس السوري لجلالة الملك، والمسؤولين السوريين للأردن، ووزير الخارجية الأردني، وقائد الجيش، وكذلك وزير الخارجية السوري ووزير الدفاع السوري للأردن، فقد زار القطاع الخاص ووفود تجارية أردنية سوريا، وعقدت اجتماعات مهمة في مجال التجارة والاستثمار والسياحة، وفي إعادة إعمار سوريا. ويجب تحرُّك شركات المقاولات الأردنية للدخول في السوق السوري، بضمانات من الحكومة الأردنية والبنوك الأردنية العاملة في سوريا. وهناك تعاون مسبق بين البلدين في مجال الطاقة والمياه، ويجب العمل على استئنافه وبشكلٍ سريع.
إنَّ مصالح الدول المحيطة بسوريا، مثل العراق ولبنان وتركيا، ستتأثَّر إيجابًا، إذ يُخفِّف استقرار سوريا من عدَّة عوامل، منها النزوح السوري إلى لبنان، حيث يُعدُّ استقرار سوريا مفتاحًا لاستقرار لبنان.
وكذلك العراق، له علاقات تجارية وطيدة مع سوريا، ولذلك يحتاج العراق لحماية حدوده الغربية مع سوريا، وذلك يكون بسبب عامل الاستقرار، لضمان أمن حدوده ليستطيع العودة للتعاون في جميع المجالات، وخاصة التجارة والطاقة.
وبالنسبة لتركيا، فهي أيضًا تُعاني من مشاكل اللجوء، والآن العلاقات السورية التركية مستقرة، ولها مصالح كبيرة مع سوريا في جميع المجالات. نتفق جميعًا، وتتطلَّع جميع دول المنطقة بلا استثناء، إلى حلٍّ سياسيٍّ طويلِ المدى في سوريا.
ولذلك، فإنَّ رفع العقوبات عن سوريا بشكلٍ مدروسٍ يصبُّ في مصلحة الأردن ودول الجوار والإقليم بشكلٍ عام.
ولذلك، فإنَّ الأردن لاعبٌ رئيسيٌّ وأساسيٌّ ومحوريٌّ وواضحٌ في الدفع نحو تسوية سياسية شاملة، ورفع العقوبات عن سوريا، ليكون هناك توازن للاعتبارات الإنسانية والتنمية والحل السياسي العادل. فهنئيًا للشقيقة سوريا وشعبها الطيِّب على رفع العقوبات عنها، ليكون كما عهدناه من أذكى الشعوب العربية، والجادِّ في بناء بلده، والحفاظ على وحدة ترابه. ــ الدستور