الأخبار

د. رعد محمود التل : الأسرة الأردنية: أرقام ودلالات اقتصادية

د. رعد محمود التل : الأسرة الأردنية: أرقام ودلالات اقتصادية
أخبارنا :  

في الخامس عشر من أيار من كل عام، يحتفل العالم باليوم الدولي للأسر، في تأكيد على مركزية هذه الوحدة الاجتماعية في البناء الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات. وفي الأردن، تكشف البيانات الرسمية الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة صورة مفصلة للأسرة الأردنية، تكشف عن تحولات ديموغرافية واقتصادية مهمة، تتطلب وقفة تحليلية لفهم أبعادها الاقتصادية.
بحسب تقديرات عام 2024، بلغ عدد الأسر في المملكة أكثر من 2.43 مليون أسرة، مقارنة بـ941 ألف أسرة فقط في عام 2004، أي أن عدد الأسر تضاعف خلال عقدين تقريبًا بنسبة نمو تجاوزت 107%. هذا التوسع السريع يعكس ديناميكية التركيبة السكانية، لكنه يطرح في المقابل تحديات متزايدة على صعيد تقديم الخدمات العامة، وتوفير فرص العمل، وتطوير البنية التحتية.
يبلغ متوسط حجم الأسرة 4.8 فرد، وهو رقم يرتبط مباشرة بمستويات الطلب على الغذاء، التعليم، الصحة، والإسكان، كما أنه يعكس استمرار النمط التقليدي للأسرة الممتدة نسبيًا، رغم التغيرات الاجتماعية. لكن التغير اللافت يظهر في طبيعة رئاسة الأسرة؛ حيث باتت نحو 21% من الأسر ترأسها إناث، ومعظمهن من الأرامل، ما يشير إلى فجوة حماية اجتماعية بحاجة إلى تدخل أكثر فاعلية.
التحدي الأكبر الذي يظهر بوضوح في التقرير هو ارتفاع نسبة الإعالة الاقتصادية إلى 315.9% في عام 2023، ما يعني أن كل عامل فعلي يعيل نفسه وثلاثة أفراد آخرين. هذه النسبة المرتفعة تمثل مؤشرًا سلبيًا على ديناميكية سوق العمل، وتكشف عن ضعف في التوظيف وارتفاع معدل البطالة، إلى جانب وجود فئات واسعة خارج قوة العمل، بمن فيها النساء وربات البيوت والمتقاعدون والشباب غير المنخرطين في التعليم أو العمل.
رغم التطورات التكنولوجية، ما زالت المشاركة الاقتصادية للنساء منخفضة جدًا، خاصة بين من يرأسن أسرهن، حيث لم تتجاوز 4.8% مقابل 54.7% للرجال. هذا التفاوت الحاد لا يرتبط فقط بثقافة مجتمعية تقليدية، بل يشير إلى غياب سياسات فعالة تُمكّن النساء من التوفيق بين الدورين الأسري والاقتصادي، رغم أهمية مشاركتهن في دعم دخل الأسرة وتقليل الاعتماد على التحويلات والمساعدات.
على صعيد نمط الإنفاق، يظهر من المسوحات أن التكنولوجيا باتت مكونًا أساسيًا في حياة الأسرة الأردنية؛ إذ تنفق الأسرة في المتوسط أكثر من 23 دينارًا شهريًا على الهواتف الذكية، ويصل معدل انتشار الإنترنت إلى أكثر من 91%، بينما يمتلك 98% من الأسر هواتف وتلفزيونات. هذا الانتشار الكبير يعكس تحولًا في سلوك الاستهلاك، لكنّه في المقابل يفرض ضغطًا إضافيًا على دخل الأسرة، في ظل محدودية مصادر الدخل.
المفارقة أن متوسط الدخل الجاري السنوي للأسرة وفق بيانات 2017 لم يتجاوز 11,241 ديناراً، أي أقل من 940 دينارًا شهريًا، بينما تشير مؤشرات حديثة إلى ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل يفوق نمو الدخل، ما يفاقم هشاشة الأسر ويزيد من اعتمادها على المساعدات أو الدخول التحويلية.
التحولات التي ترصدها دائرة الإحصاءات العامة مشكورة في بنية الأسرة الأردنية، من حيث العدد، ونمط الإنفاق، ومصادر الدخل، وحجم الإعالة، كلها ترسم ملامح معادلة اقتصادية دقيقة. فالأسرة ليست فقط وحدة استهلاك، بل هي أيضًا مرآة للتحديات البنيوية في سوق العمل، وسياسات الحماية الاجتماعية، ومستوى العدالة الاقتصادية.
تدرك الحكومة جيدا وبفهمها الاقتصادي العميق، أن الأسرة هي الوحدة الأساسية في المجتمع، فإن استقرارها الاقتصادي والاجتماعي يجب أن يُنظر إليه كشرط مسبق لاستقرار الاقتصاد الوطني. ولذلك، تدرك الحكومة أهمية الحاجة إلى إعادة النظر في السياسات الاقتصادية، من خلال تمكين الأسرة، لا سيما الأسر ذات الدخل المحدود، وتحفيز مشاركة النساء اقتصاديًا، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية.

مواضيع قد تهمك