د محمد كامل القرعان : الأردن وسوريا: 14 عامًا من الدعم السياسي والإنساني في ظل الانفراجات الراهنة

منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، تبنى الأردن موقفًا ثابتًا في دعم سوريا على المستويين السياسي والإنساني. ومع بروز مؤشرات الانفراج في الأفق، يتجدد الحديث عن مساهمات الأردن المستمرة في دعم سوريا وشعبها.
سياسيًا، لعب الأردن دور الوسيط بين الأطراف الدولية والإقليمية بهدف الدفع نحو حل سياسي شامل للأزمة السورية، يرتكز على وحدة الدولة السورية وعودة الاستقرار إليها. وقد استضافت عمّان العديد من اللقاءات الدبلوماسية التي جمعت ممثلين عن الدول الفاعلة في الملف السوري، كما دعمت الجهود الأممية الساعية إلى التوصل إلى تسوية سلمية عبر الحوار بين مختلف الأطراف.
إنسانيًا، استضاف الأردن على مدار السنوات الماضية أكثر من 1.3 مليون سوري، قرابة نصفهم يحملون صفة «لاجئ»، وقدم لهم الدعم الإنساني رغم التحديات الاقتصادية التي يواجهها. وفي يناير 2025، أرسل الأردن قوافل مساعدات إنسانية جديدة إلى سوريا، بتوجيهات من جلالة الملك عبد الله الثاني، تضمنت 300 طن من المواد الإغاثية الأساسية تشمل مواد غذائية، مستلزمات طبية، أغطية ومواد تدفئة.
اقتصاديًا، أدرك الأردن أهمية استعادة العلاقات التجارية مع سوريا، نظرًا للمصالح المشتركة التي تربط البلدين. فالأردن يُعَدّ بوابة رئيسية لسوريا نحو الأسواق الخليجية، وسوريا بدورها تشكل ممرًا تجاريًا مهمًا للبضائع الأردنية المتجهة نحو أوروبا ولبنان وتركيا. ومن هنا، جاء السعي الأردني لإعادة فتح المعابر الحدودية مثل معبر جابر- نصيب، وهو ما عزز التبادل التجاري بين البلدين، وساهم في تخفيف الأعباء الاقتصادية التي فرضتها الحرب على كلا الجانبين.
تاريخيًا، وقف الأردن إلى جانب سوريا في حرب تشرين عام 1973، حيث شارك الجيش الأردني بفعالية على الجبهة السورية، وقدم تضحيات كبيرة دفاعًا عن سوريا وسيادتها. وتُعد مشاركة الأردن في حرب تشرين 1973 علامة فارقة في تاريخ النضال العربي، حيث قدم الجيش العربي الأردني نموذجًا للتعاون والتضحية في سبيل الأمة. هذا الدور المشرف يظل مصدر فخر واعتزاز للأردنيين والعرب جميعًا.
ومنذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، تحمل الأردن تبعات ثقيلة على مختلف الأصعدة نتيجة تداعيات هذه الأزمة، سواء على المستوى الاقتصادي، المالي، أو الأمني. ورغم التحديات، حافظ الأردن على دوره الثابت في دعم سوريا وشعبها، مؤكدًا على أهمية التعاون العربي المشترك في مواجهة الأزمات.
ورغم التقدم في العلاقات الثنائية، يواجه الأردن تحديات أمنية على حدوده الشمالية الشرقية مع سوريا، تتمثل في عمليات تهريب المخدرات والأسلحة. ففي يناير 2025، أحبطت القوات المسلحة الأردنية محاولة تهريب كميات كبيرة من المواد المخدرة عبر وأسفرت العملية عن مقتل أحد المهربين وإصابة أحد أفراد الجيش الأردني.
ومع تراجع عمليات التهريب بعد سقوط النظام السوري في ديسمبر 2024، إلا أن هذه الأنشطة عادت بوتيرة أسرع مع بداية العام الحالي، مما يشكل تهديدًا للأمن الوطني الأردني.
اقتصاديا، تأثرت القطاعات الاقتصادية الأردنية بشكل كبير جراء الأزمة السورية. فقد انخفضت التجارة الثنائية بين الأردن وسوريا من أكثر من 500 مليون دولار سنويًا قبل عام 2011 إلى 182 مليون دولار في عام 2023، نتيجة للاضطرابات السياسية والاقتصادية في سوريا. كما تراجع الناتج المحلي الإجمالي الأردني بمعدل نمو سنوي بلغ 1.6% بسبب تداعيات الأزمة السورية.
وبالنسبة للأعباء المالية، بلغت تكلفة استضافة اللاجئين السوريين في الأردن أكثر من 2.5 مليار دولار سنويًا، أي ما يعادل 6% من الناتج المحلي الإجمالي و25% من الإيرادات الحكومية السنوية. كما ارتفعت الديون العامة من 19 مليار دولار في عام 2011 إلى 35.1 مليار دولار في عام 2016، نتيجة لزيادة النفقات العسكرية، وتراجع الإيرادات من السياحة والاستثمار، وتكاليف استضافة اللاجئين.
خاتمة
وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية والمالية والأمنية التي واجهها الأردن نتيجة للأزمة السورية، إلا أنه حافظ على دوره الثابت في دعم سوريا وشعبها، مؤكدًا على أهمية التعاون العربي المشترك في مواجهة الأزمات. ومع بروز مؤشرات الانفراج في الأفق، يتطلع الأردن إلى تعزيز التعاون الثنائي مع سوريا في مختلف المجالات، والعمل على استعادة الاستقرار والأمن في المنطقة.
بهذه المواقف والمبادرات المشرفة، يواصل الأردن دوره الفاعل في دعم سوريا وشعبها، مؤكدًا على أهمية العمل العربي المشترك لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. كما يتحمل الأردن مسؤولياته الأمنية في مواجهة التحديات الراهنة، ساعيًا إلى تعزيز التعاون الثنائي لمواجهة هذه التحديات المشتركة.
اكاديمي وكاتب صحفي ومحلل سياسي
ــ الراي