واشنطن بوست: ترامب همّش نتنياهو في رحلته للشرق الأوسط.. لكنه لم يفعل شيئاً لتخفيف معاناة غزة

نشرت صحيفة "واشنطن بوست” تقريراً أعده إيشان ثارور قال فيه إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب همّش، في رحلته للشرق الأوسط، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولكنه لم يفعل شيئاً لمساعدة غزة. وقال إن الرئيس ترامب أنهى رحلته في الشرق الأوسط من دون تحقيق ما تحدث عنه دائماً بـ”الصفقة الكبرى”، وبدلاً من ذلك حقق صفقات صغيرة هنا وهناك.
استخباراتي إسرائيلي: في رؤية ترامب، لم تعد إسرائيل ضرورية في الحس الإستراتيجي الكلاسيكي العميق المتشارك بالقيم، بل أقرب إلى "عميل مميز” وربما "رصيد عقاري”
وأضاف أن ترامب سيعود من جولته في دول الخليج الثلاث، السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، وكلها دول مؤثرة في مجال الطاقة ولديها تأثير كبير في واشنطن، متسلحاً بسلسلة من صفقات الاستثمار واتفاقيات مربحة في مجال التسليح وخطط لتطوير رقائق الذكاء الاصطناعي. ففي رحلة ركزت -على ما يبدو- على العقود التجارية، أكثر منها على التطورات الجيوسياسية، قدّم ترامب تعليقات كلامية فقط عن أمله بالسلام، ومدّ يده لإيران للتوصل معها إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي.
وقبل سفره، أعلن عن وقف الحملة العسكرية ضد الحوثيين في اليمن. وأعلن في الرياض، بشكل فاجأ مستشاريه، عن قراره رفع العقوبات عن سوريا، وهي خطوة مهمة للحكومة الانتقالية، كما شجب إرث التدخلات الأمريكية في المنطقة.
وقد أثارت الإشارات التي أرسلها قلقاً في إسرائيل.
وقبل زيارة ترامب، كانت وسائل الإعلام والمسؤولون الإسرائيليون يشيرون بالفعل إلى الطريقة التي تجاوز بها ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتطرف والمقرّب من الرئيس الأمريكي، حيث أغدق عليه البيت الأبيض في ولاية ترامب الأولى العديد من الهدايا السياسية.
إلا أن رؤية ترامب للشرق الأوسط، في ولايته الثانية، لم تعد مرتبطةً برؤية نتنياهو.
ولم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي راضياً عن مبادرات ترامب تجاه طهران، وهدنته أحادية الجانب مع الحوثيين، وانفتاحه على سوريا التي قصفتْها إسرائيل بلا هوادة، خلال الأشهر الأخيرة.
وقد استشهد ترامب باتفاقيات أبراهام، وهي الاتفاقيات التي تؤسس لعلاقات دبلوماسية وتطبيع بين إسرائيل ودول عربية، إلا أن هذه الاتفاقيات بدت أقل أهميةً في جهوده هذا الأسبوع. وهو ما قرأت فيه إسرائيل تهميشاً لإمكانيات التطبيع.
وطوال جولة ترامب في المنطقة، لم تتوقف إسرائيل عن قصف قطاع غزة المحاصر، حيث أسفرت العمليات التي استهدفت أهدافاً مزعومة لـ "حماس” عن مقتل عشرات المدنيين في الأيام القليلة الماضية.
وفي يوم الخميس وحده، أفادت تقارير من غزة أن الهجمات الإسرائيلية قتلت أكثر من 100 شخص. وأخبر مدير مستشفى في شمال غزة مراسلي صحيفة "واشنطن بوست” عن واحدة من نتائج القصف، حيث استقبلوا جثث 20 طفلاً قُتلوا يوم الأربعاء. ولا تزال الأوضاع الإنسانية بائسة، حيث يواجه واحد من كل خمسة أشخاص في القطاع المجاعة وسط حصار إسرائيلي خانق منذ أشهر.
وكان نتنياهو قد أعلن، بداية الأسبوع، عن رفضه لوقف الغارات والعمليات الإسرائيلية على غزة، متعهداً بـ”إكمال المهمة” وسحق "حماس” بالكامل. وهو ما عرقل جهود استئناف المفاوضات في الدوحة لوقف إطلاق النار والإفراج عما تبقى من أسرى. وشجبت عائلات هؤلاء نتنياهو لأنه يريد إطالة الحرب كي يحمي مستقبله السياسي ومصالح تحالفه مع اليمين المتطرف، وعدم الالتفات إلى محنتهم وأبنائهم المحتجزين في غزة.
ترامب: كانت غزة أرض موت ودمار لسنوات عديدة، ولدي أفكار جيدة جداً بشأن غزة؛ تحويلها إلى منطقة حرة
وفي يوم الإثنين، أشاد ترامب بإطلاق سراح الإسرائيلي- الأمريكي إيدان ألكسندر، آخر مواطن أمريكي اختطفته "حماس” وأُطلق سراحه، مشيراً، في تغريدة على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى أن قرار إعادته إلى إسرائيل كان "خطوة اتخذتها حماس بحسن نية”.
وقد تضمنت رسالة البيت الأبيض ضمنياً نفاد صبر تجاه نتنياهو، الذي يراه الكثيرون عائقاً أمام محاولات التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم. وقد أوضح بعض حلفاء نتنياهو من اليمين المتطرف رغبتهم في إخلاء جزء كبير من السكان الفلسطينيين في القطاع واحتلاله إلى أجل غير مسمى.
وفي الوقت نفسه، لم يتخلَّ ترامب عن فكرته الغريبة بإخلاء غزة من سكانها وتطويرها بنفسه. وقال ترامب للصحافيين المرافقين له:"لقد كانت غزة أرض موت ودمار لسنوات عديدة” و”لدي أفكار جيدة جداً بشأن غزة، تحويلها إلى منطقةٍ حرة. فلتتدخل الولايات المتحدة وتجعلها منطقةً حرة فقط”.
ويرى الكاتب أن هناك اختلافاً واضحاً بين ترامب ونتنياهو يتشكل، وكما قال إيلان غولدينبرغ من مجموعة الضغط اليهودية "جيه ستريت” بواشنطن في بريد إلكتروني: "بالنسبة لنتنياهو، الذي اعتاد أن يكون حلفاؤه من المؤيدين للاستيطان هم مَن دفعوا السياسة في ولاية ترامب الأولى، فإن ترامب 2 يجب أن يمثل صدمة”، و”عندما ينظر ترامب، الذي يُغدق عليه أصدقاؤه في الخليج بالصفقات والانتصارات، إلى إسرائيل بنيامين نتنياهو و[زعيم اليمين المتطرف] إيتمار بن غفير، فإنه لا يرى سوى الصداع”.
ويشمل ذلك "حرباً لا نهاية لها” في غزة، وعزم القيادة السياسية الإسرائيلية "على تخريب المحادثات مع إيران”، وإسرائيل التي لا تبدو مستعدة لتقديم التنازلات السياسية اللازمة قبل أن تتمكن من الاندماج بشكل أكبر في المنطقة.
وفي تصريحات لدينس روس، المبعوث الأمريكي السابق إلى الشرق الأوسط، نقلها عنه مراسل "واشنطن بوست” جيري شيه، قال إن النزعة التعاقدية التجارية، والرغبة في لعب دور صانع سلام تتعارض مع أجندة نتنياهو: "ما تراه هو أن الرئيس ترامب لديه فكرة عما يصبّ في مصلحتنا، وهذا يأتي في المقام الأول”.
طوال جولة ترامب في المنطقة، لم تتوقف إسرائيل عن قصف قطاع غزة المحاصر، حيث أسفرت العمليات عن مقتل عشرات المدنيين
وأضاف: "إنه يحدد طبيعة مصالحنا الخارجية ليس من خلال سياق جيوسياسي أو أمني، بل من خلال إطار اقتصادي ومالي وتجاري. أعتقد أن الرئيس ترامب ربما رأى بأننا نمنحهم 4 مليارات دولار سنوياً كمساعدات عسكرية، وأنا أبذل الكثير لدعم الإسرائيليين”.
وينظر المحللون الإسرائيليون إلى التحول بنوع من الخوف، وقد كتب المسؤول الاستخباراتي الإسرائيلي السابق عوديد عيلام في صحيفة "إسرائيل اليوم”: "في رؤية ترامب، لم تعد إسرائيل ضرورية في الحس الإستراتيجي الكلاسيكي العميق المتشارك بالقيم، بل أقرب إلى "عميل مميز” وربما "رصيد عقاري” في الشرق الأوسط”.
وأضاف، مشيراً إلى تهميش المحافظين الجدد وصقور إيران في فريق ترامب: "يجب أن نأخذ في الاعتبار التغييرات الجذرية الجارية داخل الحزب الجمهوري نفسه وداخل الدائرة المقربة منه”، و”يجب أن تدرك إسرائيل أن ترامب في عام 2025 مخلوق سياسي مختلف، وأن الحزب الجمهوري لم يعد كما كان في السابق”.