الأخبار

اسماعيل الشريف يكتب : في ذكرى النكبة

اسماعيل الشريف يكتب : في ذكرى النكبة
أخبارنا :  

الأقوياء بكل أرض قد قضوا... أن لا تُراعى للضعيف حقوق- جميل صدقي الزهاوي.

سيدي الرئيس ترامب،

أنت لست فلسطينيًا، لست من أبنائها، لا تعرف أزقة مخيماتها، ولم تسبح يومًا في بحرها، ولم تذق طعم سمكها أو رُطبها، ولا شك أنك لم تتذوّق شطّتها... فلا يجرؤ على ذلك إلا من كان غزيًّا.

اسمح لي أن أسألك: من فوّضك للتحدث باسمهم؟ من منحك الحق في تقرير تهجيرهم وتحويل أرضهم إلى «ريفييرا الشرق الأوسط»؟ لعلهم يحبّونها كما هي، بكل تفاصيلها، بجراحها وصمودها. وحتى لو كنت رئيسًا لغزة، فلا يحقّ لك أن تطلب من شعبك الرحيل. وهل تملك أن تُهجِّر أمريكيًا؟ بل على العكس، لقد نجحتَ في فكّ أسر جنديٍّ أمريكيٍّ صهيونيٍّ من قبضة المقاومة، وقد يكون ثمنه إنهاء المجزرة.

تتحدث عن غزة وكأنها أرض أمريكية، تُفتح أبوابها لكل شعوب الأرض، بمن فيهم مجرمو الحرب الذين دمّروها، والصهاينة من متحرشي الأطفال، وسائر مجرمي العالم الهاربين من الأحكام، بينما يُحكم على شعبها بالقتل ثم بالتهجير.

سبعون في المائة من سكان غزة هم في الأصل لاجئون من حرب 1948، هجّر الصهاينة آباءهم وأجدادهم من بلداتهم التي مُسحت عن الوجود، ومعظمهم من عسقلان ومحيطها. خذ مثلًا الشهيد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الذي كان مفاوضًا لنتن ياهو، ثم اغتيل. هل رأيت، سيدي الرئيس، مفاوضًا يُقتل؟

على أي حال، هذا ليس موضوعنا. الشهيد وُلد عام 1963 في مخيم الشاطئ، بعد أن لجأ والده من قرية الجورة قرب عسقلان، والتي دمّرها الاحتلال بالكامل. كانت التعليمات آنذاك واضحة: «أبيدوا الحجر والبشر، واطردوا من بقي، وامنعوهم من العودة.»

أليس من العدل أن يعود الناس إلى قراهم، بدلًا من أن يُهجّروا مرّتين، أو حتى ثلاث مرّات؟

كما تعلم، هناك أكثر من مليوني صهيوني في فلسطين المحتلة يحملون جنسيات مزدوجة، ونحو نصفهم يحملون الجنسية الأمريكية. أليس من الأجدر إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، بدلًا من اقتلاع شعبٍ بأكمله من أرضه؟ وإن كنت حريصًا إلى هذا الحد على سلامتهم، فلِمَ لا تنقلهم إلى نيويورك؟

خذ مثلًا مجرم الحرب بنيامين ميليكوفسكي، المعروف بنتن ياهو، الذي اختار هذا اللقب ليبدو أكثر انتماءً إلى المنطقة، بينما جاء والده من وارسو، بولندا. أو المتطرّف سموتريتش، الذي يريد تهجير السكان الأصليين، رغم أن لا قرية تحمل اسم «سموتريتش» في أي مكان من فلسطين المحتلة، بينما توجد بلدة بهذا الاسم في أوكرانيا. أليس من الأولى أن يعود إلى وطنه الأصلي ويدافع عنه، بدلًا من قتل الفلسطينيين؟ فهو، في الحقيقة، ليس سوى جبان فارٍّ من الخدمة العسكرية!

ولكن، بدلًا من إعادة سموتريتش وبنيامين ميليكوفسكي إلى أوطانهما الأصلية، تريدون تهجير ذرية إسماعيل هنية، الذين استوطنوا فلسطين منذ زمن صلاح الدين الأيوبي، على أقل تقدير.

كلّ فلسطيني في وطنه يعرف تمامًا من أين جاء، من هو جدّه الأكبر، وأين كانت جذوره. أما أولئك اللصوص الصهاينة، فأتحدّى أن يثبت أيٌّ منهم أن له أدنى صلة بفلسطين، أو أنه من نسل سيدنا موسى أو من أحد الأسباط الاثني عشر.

ومع ذلك، تطالبون بطرد العرب الفلسطينيين، بينما تُبقون على المهاجرين الأوروبيين! أيّ منطقٍ هذا؟

اسمح لي أن أجيب نيابةً عنك: إنه منطق القوة. فالقوي يفعل ما يشاء، ويفرض إرادته على الضعيف دون اعتبار لأي مبادئ أو قوانين. وهذا بالضبط ما أثبته طوفان الأقصى حين أدرك العالم أن القوة وحدها هي التي تصنع الحقائق على الأرض.

فالحق، كما يُقال، هو القوة، وكل ما عدا ذلك حقوق الإنسان، القانون الدولي، الحريات ليست سوى شعارات جوفاء لا تُطبَّق إلا على الضعفاء.

لكن القوة ليست حكرًا على أحد، والتاريخ لا يسير في اتجاهٍ واحد.

طوفان الأقصى جاء ليذكّر العالم بأن الحق لا يُستجدى، بل يُنتزع، وأن منطق القوة، الذي طالما استُخدم لاضطهاد الشعوب، قد ينقلب على أصحابه يومًا.

فحين يُسلب الإنسان وطنه، ويُحكم عليه بالاقتلاع، لا يبقى أمامه سوى خيارٍ واحد: أن يُقاتل ليبقى... أو يموت واقفًا.

في ذكرى النكبة، هذه رسالة الفلسطينيين لكم! ــ الدستور

مواضيع قد تهمك