علاء القرالة : الأردن.. قوة هادئة وسط العاصفة

بالرغم من الصراعات الإقليمية والتقلبات السياسية المتسارعة في الشرق الأوسط، بقي الأردن ركيزة استقرار وصوتاً عقلانياً يعلو فوق الضجيج والاستعراض والصخب الإعلامي، ولم يتوسل أدوار البطولة لكنه كان دوماً حاضراً في المهام الصعبة والتوافقات العربية، فيصنع الفارق دون استعراض، فما دليل هذه القوة الدبلوماسية؟
لقد لعب الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني دوراً محورياً في عدد من الملفات العربية والإقليمية، مستنداً إلى دبلوماسيته "الوازنة والقوية والهادئة"، وثقة المجتمع الدولي بحكمة جلالته وحنكته ورؤيته في كافة الملفات العربية والاقليمية، وها هو الدور الأردني في الملف السوري يعكس نماذج لبراعة دبلوماسيتنا وثقة العالم برأينا.
منذ اللحظة الأولى للأزمة السورية، كان الأردن من أوائل من وقف مع إرادة الشعب السوري في وجه الظلم والطغيان، ولم يتوان عن دعم السوريين إنسانيا وسياسيا، واستضاف ما يزيد على 1.5 مليون سوري من اللاجئين دون ضجيج إعلامي أو مساومة إنسانية، مساهما في بناء موقف عربي موحد لايجاد الحلول السياسية للأزمة وبما يحقق ويحفظ وحدة سوريا وتطلعات شعبها.
الاردن ورغم تبدل موازين القوى على الأرض السورية لم يتخل عن دوره، بل أعاد توجيه بوصلته نحو الدفع باتجاه استعادة سوريا لموقعها الطبيعي ضمن الإطار العربي والعالمي، وكان أول من دعا لحوار عربي سوري، وأول من شرع في بناء قنوات اتصال مع دمشق، ممهدا الطريق لعودتها إلى الجامعة العربية، وبناء جسور العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية والصديقة.
في كل لقاء دولي وعلى مختلف المنصات، كان جلالة الملك يطرح الملف السوري ضمن أولوياته، مطالباً برفع العقوبات الاقتصادية عنها، داعماً لجهود إعادة الإعمار، انطلاقاً من قناعة أن استقرار سوريا جزء من استقرار المنطقة بأسرها، الامر الذي جعلنا خلال السنوات الماضية نسعى الى اعفاء الاردن من عقوبات "قيصر" الأميركية، وهذا ما نجحنا به لنكون شريان الحياة الاقتصادية لها.
الدور الأردني نموذج حي لما يمكن أن تحققه "القوة الناعمة" حينما توظف بحكمة واتزان، معتمدا على المصداقية العالية والعلاقات الإيجابية مع جميع الأطراف، وثقة القوى الكبرى بحنكة جلالة الملك التي يؤخذ ويهتم بها من قبل صناع القرار في العالم، فاصبحنا لاعبا اساسيا في المنطقة ويحسب له ألف حساب رغم قلة الامكانيات وقلة الموارد.
خلاصة القول؛ بينما يتسابق البعض إلى الأضواء، يختار الأردن طريق الحكمة، ويمارس دبلوماسيته بثقة وهدوء، محققا إنجازات ملموسة بأصعب الظروف، وها هو كما كان دائما يقف شامخا وفي موقع "العراب" في المنطقة، الذي يسعى إلى رأب الصدع وترميم الجراح وبناء الجسور لا الحواجز واحلال السلام والاطمئنان للشعوب العربية، هذه هي القوة الحقيقية "الهادئة، الراسخة، والمؤثرة" والتي تميزنا عن غيرنا في العالم. ــ الراي