الأخبار

د. رعد محمود التل : رفع العقوبات الأميركية عن سوريا: البعد الاقتصادي لتحول استراتيجي

د. رعد محمود التل : رفع العقوبات الأميركية عن سوريا: البعد الاقتصادي لتحول استراتيجي
أخبارنا :  

في إعلانه من العاصمة السعودية الرياض، كشف الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن رفع شامل للعقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، في أول تحرك دولي كبير بعد سقوط النظام السابق.
وبينما حظي القرار باهتمام سياسي واسع، فإن أبعاده الاقتصادية تستحق قراءة معمقة لفهم السياق والدوافع والفرص والمخاطر التي ينطوي عليها.
منذ عام 2011، شكّلت العقوبات الأميركية – إلى جانب العقوبات الأوروبية – الإطار الأبرز لعزل سوريا اقتصاديًا. وتضمنت تلك العقوبات قيودًا على التحويلات البنكية، وتجميدًا للأصول، وحظرًا على التصدير والاستيراد، واستهدافًا مباشرًا لقطاعات الطاقة والبنك المركزي والشركات المرتبطة بالحكومة. هذه الإجراءات فاقمت حالة الانهيار الاقتصادي فالناتج المحلي الإجمالي تقلّص بأكثر من 60% خلال عقد، وانخفضت قيمة الليرة السورية بشكل كارثي، وارتفعت معدلات الفقر إلى أكثر من 85%، فيما بات أكثر من 12 مليون سوري يعتمدون على المساعدات الإنسانية.
رفع العقوبات، إذًا، لا يعني فقط إنهاء قيد قانوني، بل هو إعادة فتح تدريجي للاقتصاد السوري أمام النظام المالي العالمي. وهذا له تداعيات مباشرة على ثلاثة مستويات مختلفة.
أولًا: القطاع المصرفي والتحويلات المالية، فأحد أبرز معوقات الاقتصاد السوري خلال السنوات الماضية كان العزل عن النظام المالي الدولي. البنوك السورية لم تكن قادرة على إجراء تحويلات دولية، ولم تكن الشركات قادرة على الحصول على اعتمادات مستندية أو تمويل خارجي. رفع العقوبات سيسمح بإعادة ربط البنوك السورية – أو تلك التي ستنشأ حديثًا في ظل الحكومة الجديدة – بشبكة SWIFT، ما سيسهل التجارة الخارجية ويعيد تدفق التحويلات من المغتربين، والتي تشكل مصدرًا رئيسيًا للعملات الأجنبية.
ثانيًا، قطاع الطاقة والاستثمار، فالعقوبات السابقة شلّت قطاع الطاقة السوري، لا سيما إنتاج وتصدير النفط والغاز. إذ تراجع إنتاج النفط من نحو 385 ألف برميل يوميًا عام 2010 إلى أقل من 50 ألفًا في السنوات الأخيرة. فرفع العقوبات سيفتح المجال أمام شركات دولية – وربما أميركية أو خليجية – للاستثمار في إعادة تأهيل البنية التحتية للطاقة، سواء عبر شراكات حكومية أو استثمارات مباشرة. هذا قد يشكل رافعة سريعة للنمو الاقتصادي، ويعيد جزءًا من الإيرادات العامة للدولة.
ثالثًا، التجارة والاستيراد، فبموجب العقوبات، كانت سوريا معزولة عن التوريد الرسمي للسلع الأساسية والمعدات، واعتمدت على التهريب أو الاستيراد عبر طرف ثالث، ما زاد التكاليف وأضعف نوعية السلع. مع رفع العقوبات، يمكن للاقتصاد السوري الوصول مجددًا إلى سلاسل التوريد العالمية، وهو ما ينعكس إيجابًا على قطاعي الصناعة والزراعة. كما سيُمكّن الحكومة من استيراد معدات طبية وتقنية ضرورية لبدء عملية إعادة الإعمار.
لكن هذا التحول لا يخلو من التحديات. أولها أن رفع العقوبات لا يعني تلقائيًا تدفق الاستثمارات، بل يتطلب بيئة تشريعية وإدارية مستقرة، ونظامًا مصرفيًا موثوقًا، وضمانات أمنية. ثانيها، ان الاقتصاد السوري اليوم مجزأ ولم يعمل بعد موحدة واحدة. وذلك قد يعيق وحدة القرار الاقتصادي.
أما البعد الإقليمي، فيبرز من خلال الدور السعودي – حيث أُعلن القرار – والذي يشير إلى رغبة في قيادة مرحلة إعادة الإعمار. فالاتفاقيات الاستثمارية التي وُقعت بالتزامن مع الإعلان، والتي شملت قطاعات الطاقة والتكنولوجيا، توحي بأن هناك توجّهًا لإدماج سوريا ضمن معادلة إقليمية جديدة قائمة على إعادة التموضع الاقتصادي.
بالنسبة للأردن، فان رفع العقوبات الأميركية عن سوريا يشكل فرصة مهمة باعتباره جسرًا بريًا بين الخليج وأوروبا. حيث ان إعادة فتح معبر جابر–نصيب سينعش قطاع النقل والخدمات اللوجستية الأردني. الصادرات الزراعية والصناعية الأردنية ستجد سوقًا قريبة لتوسيع حصتها. كما يلتفت القطاع البنّاء الأردني إلى فرص المشاركة في مشاريع إعادة الإعمار. ومع ذلك يبقى استفادة الأردن مشروطة بتحسّن الأوضاع في سوريا ووضوح الشروط التنظيمية للاستثمار الثنائي.
ان نجاح هذا الانفتاح الاقتصادي سيبقى رهينًا بقدرة الحكومة السورية الجديدة على إثبات جديتها في الإصلاح، وعلى تقديم رؤية اقتصادية شفافة ومستقرة. فرفع العقوبات قد يكون فرصة تاريخية، لكنه أيضًا اختبار حقيقي لقدرة الاقتصاد السوري على النهوض من تحت الأنقاض، لا بالمعونات، بل بالشراكات والاستثمار والإنتاج.

مواضيع قد تهمك