بشار جرار : العودة السورية الداخل والجوار أولاً..

بصفته رئيسا لأمريكا أعلن دونالد ترمب من الرياض، محطته الأولى كما في ولايته الأولى، أعلن أنه يسعى إلى «السلام والشراكة». ترمب ومن على منبر أكبر منتديات الشراكة في الاستثمار إقليميا وربما عالميا، قرر الثلاثاء رفع العقوبات عن سوريا لمنحها فرصة القيامة وبعث الحياة من أرضها العتيقة من تحت ركامها ورمادها كما العنقاء، بعد سنوات الحرب والإرهاب والقمع والفساد وعقود من ظلم وظلامية حكم الفرد والحزب الأوحد الذي سمى نفسه بعثا وزعم وحدة وحرية واشتراكية ما تركت في الشعب السوري والأمة العربية سوى الجروح والجراحات.
أخط هذه السطور مع وصول طائرة الرئيس الانتقالي للإدارة الانتقالية في سوريا أحمد حسين الشرع الذي تلقى إشارة واضحة مباشرة من ترمب بأنه قد منحه فرصة لم يوافق على منحها رغم طلبات الكثيرين ومن ضمنهم من يصفه الصديق رجب طيب إردوغان نظيره التركي.
ما ينتظره ترمب من سوريا الجديدة هو أن يحقق الشرع ما يبدو أنه قد وعد به فور رفع العقوبات ومنها طرد المسلحين الأجانب، وقيام دولة وطنية مدنية تلتزم بالأمن والسلام داخليا وخارجيا إن هي أرادت ما هو أخطر من بقاء العقوبات وهو تقسيم سوريا أو انزلاقها إلى فوضى تمكن عصابة داعش الإرهابية وتنظيمات على شاكلتها من تحويل سوريا إلى ما هو أكثر خطورة من طالبان أيام تنظيم القاعدة الإرهابي.
ليس سرا أن القاعدة الشعبية لترمب بمن فيهم الجمهوريون والمحافظون الترمبيون، متوجسون من «الأخبار السارة» والمفاجآت التي أعلنها ترمب قبل جولته الخليجية وخلالها. ثمة من يضغط لاتخاذ قرار مؤجل من الولاية الأولى وهو إعلان «الإخوان الملسمين» بصرف النظر عن تسمياتها جماعة أم حزبا وبأسماء مستعارة أو بدعم نظم صديقة وحليفة لأمريكا، إعلانها تنظيما إرهابيا، الأمر الذي يفرض على الشرع وعدد من داعميه الإقليميين خاصة تركيا وقطر بقطع أي صلة بما يعرف بالإسلام العسكري والسياسي أيضا. المطلوب تغيير ثقافي يؤدي إلى انفتاح سوريا حتى تسترد تنوعها التاريخي الحضاري فلا تكون لا مكونات ولا هويات فرعية بل مواطنة سورية لا تمييز فيها لأي كان على خلفية إثنية عرقية دينية أو طائفية.
التطبيق العملي سيعني وقبل فتح البنوك والمصارف ومقاسم الحوالات البنكية، يعني وقف التغريبة السورية وبدء العودة الجماعية والفورية لملايين السوريين إلى بلاد لن تكون جديرة بالاستثمار والشراكة ما لم يتم القضاء على الإرهاب وعصابات المخدرات وتهريب البشر وذبح الناس وتعذيبهم وإذلالهم على الهوية. لن يكون مقبولا الاختباء تحت غطاء «أعمال منعزلة أو فردية». سيطالَب الشرع وحكومته وكل من يصدقون تعهداته أن تطابق الأفعال الأقوال.
الساحل السوري، كما الجنوب، كما شمال شرق سوريا، كما جرمانا وصحنايا والسويداء، يجب أن تنعم كما ريفي حمص وحماة بالأمن والأمان. ومن أراد بناء دولة عليه البدء بصورتها. بصورة رجل الشرطة والأمن والاستخبارات التي لا علاقة لها أبدا وقطعيا ونهائيا بأي من تلك الصور والملامح التي تذكر بسوريا القديمة التي أهلكت الحرث والضرع.
العودة السورية لبناء سوريا الجديدة يجب أن تبدأ داخليا بحيث يتحرك المواطنون بحرية في وطنهم، فالزيجات المختلطة هي الأكثر شيوعا في معظم المحافظات السورية. ولا مكان للغرباء حتى وإن ساهموا كما يدعون أو يمنّنون على السوريين بنجاح «الثورة» وإسقاط أو سقوط حكم بشار ونظام الأسد.
وبالتزامن مع -لا بعد- ذلك لابد من عودة اللاجئين فالمهاجرين السوريين. البداية يجب أن تكون من لبنان والأردن لأنهم أكثر المتضررين من أعباء انعدام الاستقرار في سوريا بصرف النظر عن حكامها. من المفيد ضغط وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو على نظيريه السوري والتركي بالالتزام بما تم التعهد به في كثير من اللقاءات العلنية وغير المعلنة عن تخفيف العبء عن كاهل الاقتصاد الأردني واللبناني. من الإنصاف ليس فقط تسهيل وتحفيز العودة الطوعية أو ربما الإلزامية في مرحلة ما وإنما منح الأولوية للشركات الأردنية واللبنانية في بناء سوريا الجديدة. في البيت الأبيض رئيس يؤمن بذلك، يؤمن كما وعد بالسلام والشراكة وقد حظي بثقة معظم الأمريكيين العرب والشرق أوسطيينفي الانتخابات الأخيرة بما فيها ولايات كانت محسوبة لخصومه ومنافسيه.