فارس الحباشة : أجداد، طلاب جامعة

طالب وطالبة في سن السبعين اجتازوا امتحان الثانوية العامة، وطالب في سن السبعين على مقعد دراسة البكالوريوس في الجامعة.
وسجناء محكومون بالمؤبد وأحكام عادية يجتازون امتحان التوجيهي.
أخبار مقتضبة وخاطفة، وتتسرب إلى وسائل الإعلام على حياء، ولا أحد يتوقف عندها، رغم أنها بالغة الأهمية والحيوية إنسانيا واجتماعيا ونفسيا. وأعرف موظفا حكوميا تقاعد، وأولاده أكملوا تعليمهم الجامعي، وبعضهم حاصل على رتب ودرجات أكاديمية وعلمية عالية، ويدرسون في جامعات أردنية وأجنبية.
وبعد التقاعد، وبعد أن أنهى تعليم ابنته الصغيرة، آخر العنقود، وأكملت دراسة الطب، وحصلت على اختصاص وبورد وامتياز، واليوم تعمل في مستشفى في دولة عربية.
قرر أن يتقدم إلى امتحان التوجيهي، وحصل على معدل فوق الثمانين. وسجل في جامعة حكومية، ويدرس الآن القانون.
لربما أن مهووسي موسوعة غينيس والأرقام القياسية لم يهتموا بقصة هذا الموظف الحكومي المتقاعد، والسبعيني الذي يحلم أن يلبس روب المحاماة ويترافع أمام هيئات القضاء.
الإنسان يولد طالبا للعلم والمعرفة، ويموت وهو يناضل من أجلها. وفي التاريخ الإسلامي، كان العلماء يصنفون أنفسهم طلاب علم، حتى وإن بلغوا عمرا متقدما، ومكانة علمية عالية.
موظف الحكومة المتقاعد «السبعيني»، رفض أن أفصح عن اسمه. ووعدني بأن يشهر قصته عندما يكمل دراسته الجامعية، ويحصل على إجازة مزاولة مهنة المحاماة.
وسيُقدَّر له أن يمارس مهنة القانون والمحاماة، وقد بلغ الثمانين عاما. ولكنه نموذج لإنسان يستحق التقدير، والتوقف عند تجربته، كمقاوم للفشل والإحباط، واليأس، وما هو سائد من عوامل اجتماعية ومعيشية واقتصادية تعلن وفاة المتقاعد لمجرد أن ينهي خدمته، ويخرج من العمل سواء كان موظفا حكوميا أو خاصا.
نموذج بشري، مقاوم لثقافة البلادة والترهل واليأس السائدة في بلادنا. حيث يقال إن بلغ الرجل أو المرأة الستين أنه «عيد»، ويفرض عليه معيار وشروط ما قبل الموت المبكر، ويصبح يعيش يومه بانتظار «عزرائيل»، حالة نفسية توقعه بأوهام العجز المبكر، وتفشي وسريان الأمراض في نفسه قبل جسده.
لربما، إن رسالة موظف الحكومة المتقاعد، هي رسالة إلى الحكومة أولا بعدم الاستعجال في إحالة موظفيها إلى التقاعد مبكرا، وقتلهم، وهم في سن العمل والخدمة والإبداع.
وما كان يوما التحديث الإداري بإحالات على التقاعد المبكر. رسالة موظف الحكومة، وسوف نحتفل في تخرجه من الجامعة قريبا، ونحتفل علنا في اجتياز امتحان مزاولة المحاماة، هي أن ليس هناك من قطار قد فات أو مر، ولكن، هناك بشر عاجزون ومحبطون، وهناك ثقافة وبيئة عامة تصنع النكد واليأس والإحباط والموت.
ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا. ونحب الحياة حتى الرمق الأخير.