فيصل الشبول يكتب : نقبض الثمن

علينا الاعتراف صراحة: نحن نقبض الثمن أغلى من كل الأثمان.
نجود بكل ما نستطيع من خبزنا ودوائنا، ونضحي بالغالي والنفيس، وبذلنا دمنا في سبيل الأخ والشقيق... «والجود بالنفس أقصى غاية الجود».
ونقبض بالمقابل شرفاً ونخوة وشهامة وثقة وسمعة، وهي ما ينقص المتاجرين ومثيري الفتن والمشككين والمتلاعبين.
تشتري الأموال المرتزقة وتوظف لهم ماكنات تسلخ عليهم الألقاب والأوصاف، فصار منهم المفكرون القوميون، وعلماء الإسلام والمسلمين، والمدراء، والخبراء الاستراتيجيون، والنشطاء، والمؤثرون.
المفكرون والعلماء والخبراء الحقيقيون لا يُباعون ولا يُشترون. هؤلاء يؤدون رسالة لكنهم لا يرخصون.
لم يمنّ الأردن على أي شقيق مظلوم لجأ إليه، ولم ينتظر وعود المجتمع الدولي القديم والجديد بالإسناد، وتحمل ولا يزال منذ عقود موجة لجوء تلو الأخرى.
نداوي جراح الشقيق ونغيث الملهوف رغم شح الموارد وندرة «العونة»، والعونة تأتي من الشقيق والجار أولاً في الأصل.
يعرف الأشقاء الفلسطينيون، أصحاب القضية المزمنة العادلة، أكثر من غيرهم جهود الأردن لدعمهم وإسنادهم على الصعد كافة. يعرفون أن قضية فلسطين بالنسبة للأردن وقيادته الهاشمية هي أقدس القضايا وأولاها. هي في صلب العقيدة الأردنية دينياً وقومياً واجتماعياً كذلك.
هذا هو الثمن الذي نقبضه.
لا يصلنا أكثر من ثلاثين بالمئة في أحسن الأحوال مما وعد به المجتمع الدولي، والمجتمع الدولي فيه الشقيق والصديق، من كلفة استضافتنا لأشقائنا السوريين على مدى 14 عاماً، لم يأتوا إلينا ببطاقة دعوة، ولم نستقبلهم بشروط.
لا نمنّ على أشقائنا، لكننا ننفق سبعين بالمئة من كلفة وجودهم بيننا تعليماً وصحة وخدمات، وقلنا إن أحداً منهم لن يغادر وطنه الثاني الأردن قسراً.
ثمن كل هذا كرامة وعز وفخر وواجب أيضاً. أما المليارات التي لم تأتِ من الوعود فلم نطالب شقيقاً أو صديقاً بالوفاء بها.
لم يسبقنا أحد إلى غزة. خدماتنا موجودة منذ عقدين من الزمان. وفي الحرب الأخيرة وصلناها جواً وبراً رغم كل المعيقات السياسية والأمنية.
لماذا سنقبض أجراً مادياً هذه المرة؟
الأردن دولة ورسالة، ومصداقية قيادته، وعقيدة أهله، هي الثمن الأغلى الذي نقبضه، وهو الرصيد الأكبر على مستوى العالم.
لا نعتب على أي مرتزق، بل نعتب على من يبيعه ويشتريه ويحرضه علينا في زمان نحتاج فيه إلى التكاثف وجمع الكلمة ورص الصفوف لمواجهة ظروف هي الأخطر في منطقتنا. ــ الدستور