الأخبار

د محمد كامل القرعان : تاريخ الأردن العريق.. وعي الشباب وانتماء المستقبل

د محمد كامل القرعان : تاريخ الأردن العريق.. وعي الشباب وانتماء المستقبل
أخبارنا :  

ليس التاريخ سردًا لماضٍ مضى فحسب، بل هو روح الأمم، ومرآة هويتها، ومنطلق وعيها بمكانتها بين الشعوب. والأردن، رغم صغر مساحته الجغرافية، إلا أنه يحمل في طياته تاريخًا عميقًا يفيض بالأمجاد والمواقف والمبادئ، من ممالك الحضارات القديمة، إلى منابر الإسلام الأولى، إلى الثورة العربية الكبرى، وتأسيس الدولة الهاشمية التي شكّلت علامة فارقة في التاريخ العربي الحديث.

لقد مرّ الأردن بمراحل دقيقة، تصدى فيها للتحديات السياسية والاقتصادية والأمنية، وخرج منها أكثر قوة ومنعة بفضل حكمة قيادته ووعي شعبه. هذا التاريخ العريق ليس مجرد مدونة من البطولات، بل هو زاد وطني يجب أن يُغرس في وجدان شباب اليوم، فهم عماد الحاضر وصنّاع المستقبل، وهم الحلقة الحاسمة في الحفاظ على إرث الآباء والأجداد.

إن تعريف الشباب بتاريخ وطنهم ليس مهمة تعليمية فقط، بل هو مشروع وطني متكامل، يُعزز الانتماء، ويرسّخ الهوية، ويُحصّن الوعي. فحين يعلم الشاب أنّ بلده كان مهدًا للأنباط، ومسرحًا للمعارك الإسلامية الكبرى، وموئلًا للثورات القومية، وراعيًا للقضية الفلسطينية في أصعب الظروف، فإن شعوره بالاعتزاز والانتماء يرتقي من حالة عاطفية إلى مسؤولية فكرية وسلوكية.

لكن الواقع يشير إلى فجوة تتسع بين الجيل الجديد وتاريخه، نتيجة عدة عوامل؛ منها ضعف المناهج التعليمية في ربط الماضي بالحاضر، وتراجع الخطاب الإعلامي التنويري، وهيمنة المحتوى الرقمي السطحي، وغياب القدوة التاريخية في الفضاء العام. من هنا، تبرز الحاجة الماسّة إلى تجديد خطابنا التاريخي، وإعادة تقديم تاريخ الأردن بأساليب عصرية تُخاطب عقل الشاب ولغته ومزاجه.

ينبغي ألا يُقدّم التاريخ على أنه تكرار لوقائع وأسماء، بل كحكاية وطنية كبرى، فيها القيم والمعاني والدروس. يجب تحويله إلى مادة حية تُستثمر في الإعلام الرقمي، في القصص التفاعلية، في الدراما الوثائقية، في البرامج التربوية والرحلات الميدانية، حتى يتماهى الشباب مع هذا التاريخ ويشعر بأنه جزء منه، مسؤول عن امتداده وتطويره.

ولعل النموذج الأردني في القيادة الهاشمية يشكّل بحد ذاته بُعدًا مهمًا من أبعاد الوعي التاريخي، إذ لم تكن هذه القيادة يومًا إلا امتدادًا للثورة والنهضة والاعتدال، تنحاز للإنسان، وتُناصر قضايا الحق، وتحمي الاستقرار، وتبني مؤسسات الدولة على أسس متينة من القانون والتحديث.

إن الشباب الذين يُدركون هذا الإرث سيظلون أوفياء له، وسيكونون أكثر قدرة على مواجهة التحديات، من حملات التضليل والتشكيك، إلى تيارات التغريب والفراغ الثقافي. فالتاريخ حين يُقدَّم بروح واعية، يصبح بوصلة للهوية، ودافعًا للانتماء، وإلهامًا لبناء المستقبل.

ولذلك، فإننا مدعوون اليوم – مؤسسات وأفرادًا – إلى مشروع وطني يُعيد التاريخ إلى مركز الفعل الثقافي والتربوي، ويمنح الشباب حقهم في أن يعرفوا من هم، ومن أين جاءوا، ولماذا يستحق هذا الوطن أن يُفدى بالجهد والعرق والوعي والموقف. فالمستقبل لا يُبنى من فراغ، بل من جذور ضاربة في الأرض، وشباب يرفعون راية الوطن بعقول تعرف تاريخها، وقلوب تنبض بانتمائها.

مواضيع قد تهمك