فارس الحباشة : هل «الفيسبوك» في الأردن مخطوف؟

إذا ما نشرت أدعية دينية أتعرض إلى انتقاد ولوم من متابعين.
وإن نشرت صورًا لمنسف وكرش، وورق عنب ومقلوبة، و»خروف مزروب»، ومشاوي وصاجيات، أتعرض إلى انتقاد ولوم، وهجوم مسعور. وإن نشرت على الفيسبوك أغاني وموسيقى، ومختارات لـ»ياني» وأم كلثوم، ووردة الجزائرية وماجدة الرومي، وكاظم الساهر، وجورج وسوف، وعبد الحليم حافظ، وملحم بركات، أتعرض لهجوم كاسح يتهمني بأنني غارق في التفاؤل، وغزة تُباد وتُقصف وشعبها يموت من الجوع، وبلدان العرب تتمزق.
وإن نشرت تحليلات وتعليقًا سياسيًا، أو كتبت منشورًا وجوديًا مأساويًا، أُتهم بأنني أبث التشاؤم والقتامة، والإحباط العام.
وإن انتقدت الحكومة والوزراء، أُتهم بأنني أسير ضد التيار، وضد المرحلة وسوداوي، ويعلّقون لي المشانق ويقيمون محاكم التفتيش. وإن نشرت نكتًا ومواقف ساخرة، أُتهم بأنني لا مبالٍ وعدمي وعابث.
وإن كتبت، ناقدًا ومفككًا ومشرحًا لظاهرة الإسلام السياسي والإخوان المسلمين، خرجت على صفحتي جيوش زاحفة من الذباب الإلكتروني.
يهاجمني أبو مغيرة، وأبو عقبة، وأبو أحمد الخرساني، ويتهمونني بالكفر والزندقة، وبأنني عدو للإسلام.
وبأنني هربت من واجب ومسؤولية النشر والكتابة على الفيسبوك والسوشيال ميديا، واتهموني بأنني جبان، وخائف، وبأنني عرضت نفسي للبيع.
وأذكر أنني انقطعت يومين عن الكتابة على الفيسبوك. وانهالت على هاتفي والماسينجر مئات الرسائل، تسأل أين اختفيت، ولماذا لم تنشر اليوم؟
ويومها، كنت مريضًا ومرهقًا ومتعبًا، وغير قادر على التركيز والتفكير في الكتابة.
وفي عالم الفيسبوك والسوشيال ميديا، هناك متابعون صامتون، ويشبهون الأشباح غير المرئيين، يتابعون ويقرأون، ولا يعلّقون أو يشاركون أو يضعون «لايك» على المنشورات. في عالم الفيسبوك، أنت عرضة للهجوم و»التشميس»، ولست حرًا وغير مقيّد كما يتوهّم كثيرون!
سلطة الناس «الرأي العام» الافتراضية أشدّ خطورة من السلطة الرسمية: ماذا تنشر، وماذا لا تنشر، ولماذا تنشر؟
لا أبالغ في القول إن «الفيسبوك» في الأردن مخطوف من تيارات سياسية عقائدية ومؤدلجة. وقد لامست هذا الواقع غير المطروق والمعلن بعد أزمة الإخوان المسلمين الأخيرة.