خلدون ذيب النعيي : يدرك الأردنيون جيداً

يدرك الاردنيون جيداً ان علاقتهم بالقضية الفلسطينية ليست بالعلاقة القومية او الإنسانية الصرفة بمأساة شعب شقيق تعرض للنكبة والاحتلال والتهجير من ارضه بل ان تلك العلاقة لها خصوصيتها، فطالما اعتبروا انفسهم هم المعنيين مباشرة بها وأولياء الدم فيها، فأول وحدة عرفها التاريخ العربي المعاصر كانت وحدة الضفتين بل لم يكتب الزمان ان دماء اشقاء اختلطت صهراً ونسباً كما أختلط الدمان الاردني والفلسطيني، ففي الوقت الذي بدأت بها المأساة الفلسطينية كانت العشائر والقبائل الاردنية أول من سيرت رجالها وفتيانها لنجدة الشقيق غربي النهر وما كايد المفلح العبيدات الذي احيينا قبل ايام قلائل ذكرى مرور قرن وربع من الزمان على استشهاده في تل الثعالب قرب بيسان الا تأكيداً لذلك.
ويدرك الاردنيون جيداً هنا ان الشرور الإسرائيلية لا تتوقف خيوط مؤامراتها في فلسطين بل تمتد خارجها وفي مقدمة ما تستهدفه هذه الشرور وطنهم، ولكنهم يدركون بالمقابل ايضاً ان مساعدة الشقيق الفلسطيني ودرء الشرور عن وطنهم تستوجب بالضرورة ان يحافظوا على هذا الوطن وبناءه واتمام مسيرته النهضوية وابعاده عن أي مغامرات خائبة بالنظر للظروف والمعطيات الجالية وذلك ليكونوا بذلك قادرين على عون الشقيق ومواجهة ما يحيك بالأردن من شرور ومؤامرات، فالأردن بتاريخه لم يكن يوماً الا المبادر لحماية التراب الفلسطيني الطاهر الذي جبل بدماء شهداء جيشه الأغر وبكل محبة وإيثار.
ويدرك الاردنيون ايضاً أن وطنهم الذي شيدوه بالدم والعرق والآمال والعمل فأصبح بمثابة حكاية تحكى ومثالاً بالنظر لضعف موارده المختلفة لم يصل بعد لمرحلة المدينة الفاضلة والتي بالمناسبة لم يصل اليها ايضاً الشعوب الاخرى المتمكنون ثروة وقدرة في مختلف المحاور، ولكنهم يدركون ايضاً بالمقابل ان هذا الوطن والحفاظ على ما تم انجازه مهما كان مقداره هو من المسلمات التي لا نقاش فيها، وهم هنا ان اختلفوا وارتفعت اصواتهم بينهم يبقى الاردن الحضن الواحد الذي يغفون جميعاً فيه وهم مطمئنين ان لا كرامة وطمأنينة لهم الا على ترابه، وهم هنا أي الأردنيين يدركون ان الانتماء لتراب وطنهم والولاء لقيادتهم الهاشمية عنوان نجاح مسيرتهم ترتكز بالدرجة الاولى على العمل ولا شيء غير العمل فعنوان الولاء والانتماء ما تقدم لوطنك وشعبك لا ما تقول وترفع به صوتك أحياناً كثيرة.
ويدرك الأردنيون في شرائعهم أن الله تعالى توعد بالويل المطففين الذين يمدون ايديهم ظلماً وجوراً لأموال الناس فما بالك من يتجرأ على المال العام فذلك حقاً الذي مصيبته مصيبة في الأرض وفي السماء كما يقولون، لكنهم يدركون ايضاً ان الله تعالى كما توعد المطففين فقد توعد بقسوة ايضاً الهامزين اللامزين الذين يتجرؤون بألسنتهم على أعراض الناس وسمعتهم، فكلمات على غرار «سمعت» و «يقولون» بمثابة معول يضرب في أسس الثقة والمواطنة المجتمع والدولة على حد سواء، وبالتالي فمن يملك بينات وادلة فليقدمها لكثير من الجهات التي تستقبله بمودة واهتمام والقانون مكفل بحمايته، وقد رأيناُ في تاريخ هذا الوطن الكثير من الشخصيات فيه التي كانت المحاكم والسجون مستقراً لهم بعد تيقن القضاء من مسؤوليتهم بعيداً عن «ردحية القيل والقال».
وأدراك الأردنيون لما سبق لم تحكمه التأويلات ولا حتى المجلدات وأمهات الكتب بل أكدته التجارب التي عاشوها عبر تاريخهم، فمن رأى ليس كم سمع «واللي يجرب المجرب عقله مخرب» كما يقول مثلهم الشعبي الذي تمخضت عنه بجدارة تجارب الحياة ككل.